فذهب ليعود إلى الرومى ، فقال له قومه ، ننشدك الله ألا تتعرض لهذا العلج ، فقال : والله لأخرجن إليه فليقتلنى أو لأقتلنه ، فتركوه ، فخرج إليه.
فلما دنا منه شد عليه وهو شديد الحنق ، فاضطربا بسيفيهما ، فضربه الأشتر على عاتقه ، فقطع ما عليه حتى خالط السيف رئته ، ووقعت ضربة الرومى على عاتق الأشتر ، فقطعت الدرع ثم انتهت ولم تضره شيئا ، ووقع الرومى ميتا ، وكبر المسلمون ، ثم حملوا على صف رجالة الروم ، فجعلوا يتنقضون ويرمون المسلمين وهم من فوق ، فما زالوا كذلك حتى أمسوا وحال بينهم الليل ، وباتوا ليلتهم يتحارسون.
فلما أصبحوا أصبحت الأرض من الروم بلاقع ، فارتحل الأشتر منصرفا بأصحابه ، ومضى ميسرة فى أثر القوم حتى بلغ مرج القبائل بناحية أنطاكية ، والمصيصة ، ثم انصرف راجعا ، وكان أبو عبيدة حين بلغه أنهم قد أدبروا أشفق عليهم وجزع وندم على إرساله إياهم ، قال : فإنه لجالس فى أصحابه مستبطئا لقدومهم متأسفا على تسريحهم ، إذ أتى فبشر بقدوم الأشتر ، وجاء فحدثه بما كان من أمرهم ولقائهم ذلك الجيش ، وهزيمتهم إياه ، وما صنع الله لهم ، ولم يذكر مبارزة الرومى وقتله إياه حتى أخبره غيره ، وسأله عن ميسرة وأصحابه ، فأخبروه بالوجه الذي توجه فيه ، وأخبره أنه لم يمنعه من التوجه إلا الشفقة على أصحابه ، وألا يصابوا بعد ما ظفروا ، فقال : قد أحسنت ، وما أحب الآن أنك معهم ، ولوددت أنهم كانوا معكم.
قال : فدعا ناسا من أهل حلب ، فقال : اطلبوا إلىّ إنسانا دليلا عالما بالطريق أجعل له جعلا عن أن يتبع آثار هذه الخيل التي بعثتها فى طلب الروم حتى يلحقها ، ثم يأمرها بالانصراف إلىّ ساعة يلقاها ، فجاءوه بثلاثة رجال ، فقالوا : هؤلاء علماء بالطريق جراء عليها أدلاء بها ، وهم يخرجون فى آثار خيلك حتى يأتوها بأمرك ، فكتب أبو عبيدة إلى ميسرة :
أما بعد ، فإذا أتاك رسولى هذا فأقبل إلىّ حين تنظر فى كتابى ، ولا تعرجن على شيء ، فإن سلامة رجل واحد من المسلمين أحب إلىّ من جميع أموال المشركين ، والسلام عليك.
فأخذوا كتابه ، ثم خرجوا به ، فاستقبلوا ميسرة حين هبط من الدروب راجعا ، وقد عافاه الله وأصحابه وغنمهم وسلمهم ، فدفعوا إليه كتاب أبى عبيدة ، فلما قرأه قال : جزاه الله من وال على المسلمين خيرا ، ما أشفقه وأنصحه ، ثم أقبل الرسل فبشروا أبا