فلما وصل كتابه إلى أبى عبيدة ، قال : أشهد ليفعلنها ، فقال ليزيد بن أبى سفيان : اكفنى دمشق ، فسار إليها يزيد فوليها.
وكان فى المسلمين رجل من بنى نمير يقال له مخيمس بن حابس بن معاوية ، وكان شجاعا ، وكان الناس يذكرون منه صلاحا ، فقده أصحابه أياما ، فكانوا يطلبونه ويسألون عنه فلا يخبرون عنه بشيء ، فلما يئسوا منه ظنوا أن قد هلك ، وأنه اغتيل ، فبينا هم جلوس ذات يوم إذ طلع عليهم مقبلا فى يده ورقتان لم ينظر الناس إلى مثلهما قط أنضر ، ولا أعرض عرضا ، ولا أطول طولا ، ولا أحسن منظرا ، ولا أطيب رائحة ، ففرح به أصحابه فرحا شديدا ، وقالوا له : أين كنت؟ قال : وقعت فى جب فمضيت فيه حتى انتهيت إلى جنة معروشة ، فيها من كل شيء ، ولم تر عينى مثل ما فيها قط فى مكان ، ولم أظن أن الله خلق مثلها ، فلبثت فيها هذه الأيام التي فقدتمونى ، فى نعيم ليس مثله نعيم ، وفى منظر ليس مثله منظر ، وفى رائحة لم يجد أحد من الناس قط ، أطيب منها ، فبينا أنا كذلك ، أتانى آت فأخذ بيدى فأخرجنى منها إليكم ، وقد كنت أخذت هاتين الورقتين من شجرة كنت تحتها جالسا ، فبقيتا فى يدى ، فأخذ الناس يشمونهما فيجدون لهما ريحا لم يجدوا لشىء قط أطيب منها ، فأهل الشام يزعمون أنه أدخل الجنة وأن تينك الورقتين من ورقها ، ويقولون : إن الخلفاء رفعتهما فى الخزانة.
ولما رأى أهل إيلياء أن أبا عبيدة غير مقلع عنهم ، وظنوا أن لا طاقة لهم بحربه ، قالوا:نحن نصالحك ، قال : فإنى أقبل منكم الصلح ، قالوا : فأرسل إلى خليفتكم عمر ، فيكون هو الذي يعطينا العهد ، ويكتب لنا الأمان ، فقبل ذلك أبو عبيدة ، وهم بالكتاب ، وكان لا يقطع أمرا دون رأى معاذ ، وكان معاذ لا يكاد يفارقه ، لرغبته فى الجهاد ، فأرسل إليه أبو عبيدة ، وكان بعثه إلى الأردن ، فلما قدم عليه أخبره ، فقال له معاذ : تكتب إلى أمير المؤمنين فتسأله القدوم عليك ، فلعله أن يستقدم ، ثم يأبى هؤلاء الصلح فيكون سيره عناء وفضلا ، فلا تكتب إليه حتى تستحلفهم بأيمانهم المغلظة : لئن : أنت سألته القدوم فقدم عليهم فأعطاهم الأمان وكتب لهم الصلح ليقبلن ذلك وليصالحن عليه ، فأخذ عليهم أبو عبيدة الأيمان المغلظة لئن عمر قدم فأعطاهم الأمان على أنفسهم وأموالهم وكتب لهم على ذلك كتابا ليقبلن وليؤدن الجزية وليدخلن فيما دخل فيه أهل الشام ، فلما فعلوا ذلك كتب إليه أبو عبيدة :
بسم الله الرحمن الرحيم ، لعبد الله عمر أمير المؤمنين ، من أبى عبيدة بن الجراح ، سلام عليك ، فإنى أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ، أما بعد : فإنا أقمنا على إيلياء ، وظنوا أن