لهم فى المطاولة فرجا ورجاء ، فلم يزدهم الله بها إلا ضيقا ونقصا وهزلا وأزلا ، فلما رأوا ذلك سألونا أن نعطيهم ما كانوا قبل منه ممتنعين ، وله كارهين ، وسألونا الصلح على أن يقدم عليهم أمير المؤمنين ، فيكون هو المؤمن لهم والكاتب لهم كتابا ، وإنا خشينا أن يقدم أمير المؤمنين ثم يغدر القوم ويرجعوا ، فيكون مسيرك ، أصلحك الله ، عناء وفضلا ، فأخذنا عليهم المواثيق المغلظة بأيمانهم ، لئن أنت قدمت عليهم فامنتهم على أنفسهم وأموالهم ليقبلن ذلك وليؤدن الجزية ، وليدخلن فيما دخل فيه أهل الذمة ، ففعلوا ، فإن رأيت يا أمير المؤمنين أن تقدم علينا فافعل ، فإن فى مسيرك أجرا وصلاحا وعافية للمسلمين ، آتاك الله رشدك ، ويسر أمرك ، والسلام عليك.
فلما أتى عمر رحمهالله ، كتاب أبى عبيدة ، جمع رءوس المسلمين ، فقرأه عليهم واستشارهم فقال له عثمان : إن الله قد أذلهم وحصرهم وضيق عليهم ، وأراهم ما صنع بجموعهم وملوكهم ، وما قتل من صناديدهم ، وفتح على المسلمين من بلادهم ، فهم فى كل يوم يزدادون هزلا وأزلا وذلا ونقصا وضيقا ورغما ، فإن أنت أقمت ولم تسر إليهم علموا أنك بأمرهم مستخف ، ولشأنهم محتقر ، فلم يلبثوا إلا يسيرا حتى ينزلوا على الحكم ، ويعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ، وإلا حاصرهم المسلمون وضيقوا عليهم حتى يعطوا بأيديهم. فقال عمر : ما ذا ترون؟ هل عند أحد منكم غير هذا الرأى؟. فقال على بن أبى طالب : نعم ، يا أمير المؤمنين ، عندى غير هذا. فقال : ما هو؟.
قال : إنهم يا أمير المؤمنين قد سألوك المنزلة التي لهم فيها الذل والصغار ، وهى على المسلمين فتح ولهم عز ، وهم يعطونكها الآن عاجلا فى عافية ، ليس بينك وبين ذلك إلا أن تقدم عليهم ، ولك يا أمير المؤمنين فى القدوم عليهم الأجر فى كل ظمأ وكل مخمصة وفى قطع كل واد وفى كل فج وشعب وفى كل نفقة تنفقها حتى تقدم عليهم ، فإن قدمت عليهم كان فى قدومك عليهم الأمن والعافية والصلح ، والفتح ، ولست آمن لو أنهم يئسوا من قبولك الصلح ومن قدومك عليهم أن يتمسكوا بحصنهم ، ولعلهم أن يأتيهم من عدونا مدد لهم فيدخلوا معهم فى حصنهم ، فيدخل على المسلمين من حربهم وجهادهم بلاء ومشقة ، ويطول بهم الحصار ، ويقيم المسلمون عليهم ، فيصيب المسلمين من الجهد والجوع نحو ما يصيبهم ، ولعل المسلمين يدنون من حصنهم فيرمونهم بالنشاب ويقذفونهم بالحجارة ، فإن قتل رجل من المسلمين تمنيتم أنكم فديتموه بمسيركم إلى منقطع الترب ، ولكان المسلم بذلك من إخوانه أهلا.
فقال عمر : قد أحسن عثمان فى مكيدة العدو ، وقد أحسن على النظر لأهل الإسلام.