ثم قال : سيروا على اسم الله ، فإنى معسكر وسائر. ثم خرج ومعه أشراف الناس وبيوتات العرب والمهاجرون والأنصار ، وأخرج معه العباس بن عبد المطلب.
وعن أبى سعيد المقبرى (١) أن عمر رحمهالله ، كان فى مسيره ذلك يجلس لأصحابه إذا صلى الغداة ، فيقبل عليهم بوجهه ، ثم يقول : الحمد لله الذي أعزنا بالإسلام والإيمان ، وأكرمنا بمحمد صلىاللهعليهوسلم فهدانا به من الضلالة ، وجمعنا من الفرقة ، وألف بين قلوبنا ، ونصرنا به على الأعداء ، ومكن لنا فى البلاد ، وجعلنا به إخوانا متحابين ، فاحمدوا الله على هذه النعم وسلوه المزيد فيها ، والشكر عليها ، وتمام ما أصبحتم تتقلبون فيه منها ، فإن الله عزوجل ، يريد الرغبة إليه ، ويتم نعمته على الشاكرين.
قال : فكان عمر رضياللهعنه ، لا يدع هذا القول كل غداة ، فى مبتدئه ومرجعه.
وعن أبى سعيد الخدرى أن عمر رحمهالله ، مضى فى وجهه ذلك حتى انتهى إلى الجابية ، فقام فى الناس فقال : الحمد لله الحميد ، المستحمد الدفاع المجيد ، الغفور الودود ، الذي من أراد أن يهديه من عباده اهتدى ، (مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً) [الكهف : ١٧].
قال : وإذا رجل من القسيسين من النصارى عندهم ، وعليه جبة صوف ، فلما قال عمر رضياللهعنه : (مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ) قال النصرانى : وأنا أشهد ، فقال عمر:(وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً) ، فنفض النصرانى جبته عن صدره ، ثم قال : معاذ الله ، لا يضل الله أحدا يريد الهدى ، فقال عمر : ما ذا يقول عدوه الله ، هذا النصرانى؟ فأخبروه ، فرفع عمر صوته ، وعاد فى خطبته بمثل مقالته الأولى ، ففعل النصرانى كفعله الأول ، فغضب عمر رضياللهعنه ، وقال : والله لئن أعادها لأضربن عنقه ، ففهمها العلج فسكت ، إذ عاد عمر فى خطبته وقال : من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادى له ، ثم قال : أما بعد ، فإنى سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : إن خيار أمتى الذين يلونكم ، ثم الذين تلونهم ، ثم يفشو الكذب حتى يشهد الرجل على الشهادة ولم يستشهد عليها ، وحتى يحلف على اليمين ولم يسألها ، فمن أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة ، ولا يبالى بشذوذ من شذ ، وذكر بقية الحديث (٢).
__________________
(١) انظر : تاريخ فتوح الشام (٢٥٠ ـ ٢٥١).
(٢) انظر : تاريخ فتوح الشام (١٥١) وما بعدها.