فقسط فيما بينهم كل جزية |
|
وكل رفاد كان أهنى وأحمد |
قال صاحب فتوح الشام (١) : ثم إن عمر رضياللهعنه ، خرج من الشام مقبلا إلى المدينة ، فلما دنا منها استقبله الناس يهنئونه بالنصر والفتح ، فجاء حتى دخل مسجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم فصلى ركعتين عند المنبر ، ثم صعد المنبر ، واجتمع الناس إليه ، فقام ، فحمد الله وأثنى عليه ، وصلى على النبيّ محمد صلىاللهعليهوسلم وقال : يا أيها الناس ، إن الله قد اصطنع عند هذه الأمة أن يحمدوه ويشكروه ، وقد أعز دعوتها وجمع كلمتها ، وأظهر فلجها ، ونصرها على الأعداء ، وشرفها ومكن لها فى الأرض ، وأورثها بلاد المشركين وديارهم وأموالهم ، فأحدثوا لله عزوجل شكرا يزدكم ، واحمدوه على نعمه عليكم يدمها لكم ، جعلنا الله وإياكم من الشاكرين. ثم نزل.
قال : فمكث المسلمون بالشام عليها أبو عبيدة بن الجراح ، ومكث فيها بعد خروج عمر منها ثلاث سنين ، ثم توفى رحمهالله ، فى طاعون عمواس ، وكان طاعونا عم أهل الشام ، ومات فيه بشر كثير ، وكانت وفاة أبى عبيدة بالأردن ، وبها قبره ، ولما طعن رحمهالله ، دعا المسلمين ، فدخلوا عليه ، فقال لهم : إنى موصيكم بوصية ، فإن قبلتموها لم تزالوا بخير ما بقيتم ، وبعد ما تهلكون : أقيموا الصلاة ، وآتوا الزكاة ، وصوموا ، وتصدقوا ، وحجوا واعتمروا ، وتواصلوا وتحابوا ، واصدقوا أمراءكم ، ولا تغشوهم ، ولا تلهكم الدنيا ، فإن امرأ لو عمر ألف حول ما كان له بد من أن يصير إلى مثل مصرعى هذا الذي ترون ، إن الله قد كتب الموت على بنى آدم ، فهم ميتون ، فأكيسهم أطوعهم لربه ، وأعملهم ليوم معاده.
ثم قال لمعاذ بن جبل : يا معاذ ، صل بالناس ، فصلى معاذ بهم ، ومات أبو عبيدة ، رحمة الله عليه ومغفرته ورضوانه ، فقام معاذ فى الناس فقال : يا أيها الناس ، توبوا إلى الله توبة نصوحا ، فإن عبدا إن يلق الله تائبا من ذنبه كان حقا على الله أن يغفر له ذنوبه ، ومن كان عليه دين فليقضه ، فإن العبد مرتهن بدينه ، ومن أصبح منكم مصارما مسلما فليلقه فيصالحه ، إذا لقيه ، وليصافحه ، فإنه لا ينبغى لمسلم أن يهجر أخاه المسلم فوق ثلاثة أيام ، والذنب فى ذلك عظيم عند الله ، وإنكم أيها المسلمون قد فجعتم برجل ، والله ما أزعم أنى رأيت منكم عبدا من عباد الله قط أقل غمرا ، ولا أبرأ صدرا ، ولا أبعد من الغائلة ، ولا أنصح للعامة ، ولا أشد عليهم تحننا وشفقة منه ، فترحموا عليه ، ثم احضروا الصلاة عليه ، غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، والله لا يلى عليكم مثله أبدا.
__________________
(١) انظر : تاريخ فتوح الشام (٢٦٦ ـ ٢٦٧).