فاجتمع الناس ، وأخرج أبو عبيدة ، فتقدم معاذ فصلى عليه ، حتى إذا أتى به قبره ، دخل قبره معاذ وعمرو بن العاص والضحاك بن قيس ، فلما سفوا عليه التراب ، قال معاذ : رحمك الله أبا عبيدة ، فو الله لأثنين عليه بما علمت ، والله لا أقولها باطلا ، وأخاف أن يلحقنى من الله مقت ، كنت والله ما علمت من الذاكرين الله كثيرا ، ومن الذين يمشون على الأرض هونا ، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ، ومن الذين يبيتون لربهم سجدا وقياما ، ومن الذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما ، وكنت والله ما علمت من المخبتين المتواضعين ، ومن الذين يرحمون اليتيم والمسكين ، ويبغضون الجفاة المتكبرين.
ولم يكن أحد من الناس أشد جزعا على فقد أبى عبيدة من معاذ ، ولا أطول حزنا عليه من معاذ.
قال : ثم صلى معاذ بالناس أياما ، واشتد الطاعون ، وكثر الموت فى الناس ، فلما رأى ذلك عمرو بن العاص قال : يا أيها الناس ، إن هذا الطاعون هو الرجز الذي عذب الله به بنى إسرائيل مع الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم ، وأمر الناس بالفرار منه.
فأخبر معاذ بقول عمرو ، فقال : ما أراد إلى أن يقول ما لا علم له به ، ثم جاء معاذ حتى صعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، وصلى على النبيّ صلىاللهعليهوسلم ثم ذكر الوباء ، فقال : ليس كما قال عمرو ، ولكنه رحمة ربكم ، ودعوة نبيكم ، وموت الصالحين قبلكم ، اللهم أعط معاذا وآل معاذ منه النصيب الأوفر ، ثم صلى ورجع إلى منزله ، فإذا هو بابنه عبد الرحمن قد طعن ، فلما رآه قال : يا أبت ، الحق من ربك فلا تكونن من الممترين ، قال : يا بنى ، ستجدنى إن شاء الله من الصابرين ، فلم يلبث إلا قليلا حتى مات يرحمهالله ، وصلى عليه معاذ ، ودفنه.
فلما رجع معاذ إلى منزله طعن ، فاشتد به وجعه ، وجعل أصحابه يختلفون إليه فإذا أتوه أقبل عليهم فقال لهم : اعملوا وأنتم فى مهلة وحياة وفى بقية من آجالكم ، من قبل أن تمنوا العمل فلا تجدوا إليه سبيلا ، وأنفقوا مما عندكم من قبل أن تهلكوا وتدعوا ذلك ميراثا لمن بعدكم ، واعلموا أنه ليس لكم من أموالكم إلا ما أكلتم وشربتم ولبستم وأنفقتم فأعطيتم فأمضيتم ، وما سوى ذلك فللوارثين ، فلما اشتد به وجعه جعل يقول : رب اخنقنى خنقك ، فأشهد أنك تعلم أنى أحبك.
قال : وأتاه رجل فى مرضه ، فقال له : يا معاذ ، علمنى شيئا ، ينفعنى الله به قبل أن