وكان مهلكه ومهلك أبى عبيدة رحمهماالله ، سنة ثمان عشرة ، وقد كان معاذ لما هلك أبو عبيدة كتب إلى عمر ينعاه : أما بعد ، فاحتسب امرأ كان لله أمينا ، وكان الله فى نفسه عظيما ، وكان علينا وعليك يا أمير المؤمنين عزيزا ، أبا عبيدة بن الجراح ، غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، وعند الله نحتسبه ، وبالله نثق له ، كتبت إليك وقد فشا الموت ، وهذا الوباء فى الناس ، ولن يخطئ أحد أجله ، ومن لم يمت فسيموت ، جعل الله ما عنده خيرا لنا من الدنيا وإن أبقانا أو هلكنا فجزاك الله عن جماعة المسلمين وعن خاصتنا وعامتنا رحمته ومغفرته ورضوانه وجنته ، والسلام عليك ورحمة الله.
قال : فو الله ما هو إلا أن أتى عمر الكتاب فقرأه حتى بكى بكاء شديدا ، ونعى أبا عبيدة إلى جلسائه ، فما رأيت جماعة المسلمين جزعوا على رجل منهم جزعهم على أبى عبيدة ، ثم ما مضى لذلك إلا أيام حتى جاء كتاب عمرو بن العاص ينعى فيه معاذ بن جبل يرحمهالله ، فلما أتت عمر وفاة هذا على أثر أبى عبيدة جزع عليه جزعا شديدا ، وبكى عمر والمسلمون ، وحزنوا عليه حزنا عظيما ، وقال عمر رضياللهعنه : رحم الله معاذا ، والله لقد رفع الله بهلاكه من هذه الأمة علما جما ، ولرب مشورة له صالحة قد قبلناها منه ، ورأيناها أدت إلى خير وبركة ، ورب علم أفادناه ، وخير دلنا عليه ، جزاه الله جزاء الصالحين.
وفرق عمر عند ذلك كور الشام ، فبعث عبد الله بن قرط الثماليّ على حمص ، وعزل عنها حبيب بن مسلمة ، واستعمل على دمشق أبا الدرداء الأنصاري ، واستعمل يزيد بن أبى سفيان على الجنود التي كانت بالشام ، ثم وجد عمر على عبد الله بن قرط بعد أن عمل له على حمص سنة فعزله عنها ، وبعث حين عزله عبادة بن الصامت أميرا عليها ، وقد كان بدريا عقبيا نقيبا ، ثم رضى بعد ذلك عن عبد الله بن قرط ، فرده على حمص.
ولما قدم عبادة بن الصامت على أهل حمص ، قام فى الناس خطيبا ، فحمد الله وأثنى عليه ، وصلى على النبيّ صلىاللهعليهوسلم ثم قال : أما بعد ، ألا إن الدنيا عرض حاضر ، يأكل منه البر والفاجر ، ألا وإن الآخرة وعد صادق ، يحكم فيها ملك قادر ، ألا وإنكم معروضون على أعمالكم ، (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [الزلزلة : ٧] ، ألا وإن للدنيا بنين ، وإن للآخرة بنين ، فكونوا من أبناء الآخرة ، ولا تكونوا من أبناء الدنيا ، فإن كل أم يتبعها بنوها يوم القيامة.