مقام أهل قيسارية فيها ، وهم عدو لكم ، إلى جانبكم ، وإنه لا يزال قيصر طامعا فى الشام ما بقى فيها أحد من أهل طاعته ممتنعا ، ولو قد افتتحتموها قطع الله رجاءه من جميع الشام ، والله فاعل ذلك وصانع به للمسلمين ، إن شاء الله تعالى.
فخرج يزيد ، فعسكر بالمسلمين ، وجاءه كتاب من عمر بنسخة واحدة إلى أمراء الأجناد :
أما بعد ، فقد وليت يزيد بن أبى سفيان أجناد الشام كله ، وأمرته أن يسير إلى قيسارية ، فلا تعصوا له أمرا ، ولا تخالفوا له رأيا ، والسلام.
وكتب يزيد إلى أمراء الأجناد نسخة واحدة : أما بعد ، فإنى قد ضربت على الناس بعثا ، أريد أن أسير بهم إلى قيسارية ، فاخرجوا من كل ثلاثة رجلا ، وعجلوا إشخاصهم إلى إن شاء الله ، والسلام.
فلم يمكث إلا قليلا حتى توافت عنده عساكر الأجناد كلها ، فلما اجتمعوا عنده قام يزيد ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال :
أما بعد ، فإن كتاب أمير المؤمنين عمر المبارك الفاروق ، أتانى يحثنى على المسير إلى قيسارية ، وأن أدعوهم إلى الإسلام ، أو يدخلوا فيما دخل فيه أهل الكور من أهل الشام ، فيؤدوا الجزية عن يد وهم صاغرون ، فإن أبوا نزلت عليهم ، فلم أزايلهم حتى أقتل مقاتلتهم ، وأسبى ذراريهم ، فسيروا رحمكم الله إليهم ، فإنى أرجو أن يجمع الله لكم الغنيمة فى الدنيا والأجر فى الآخرة.
ثم قال للناس : ارتحلوا ، ووجه إلى حبيب بن مسلمة أن سر فى المقدمة ، فقد جعلتك عليها ، ثم امض حتى تنزل بأهل قيسارية ، فإنى أسرع شيء فى أثرك لحاقا بك.
فمضى حبيب فى جماعة عظيمة من المسلمين إلى قيسارية ، وبها جموع من بطارقة الروم وفرسانهم وأشدائهم ، وكل من كان كره الدخول فى دين الإسلام من النصارى ، ومن كان كره الجزية ، ومن بقى من أهل تلك المواطن التي كانوا يقاتلون المسلمين من الروم ، فكانت بها جموع كثيرة ، وحد وجد شديد ، فلما أقبل حبيب فى المقدمة ودنا من الحصن ، خرج إليه من قيسارية فرسان ورجال ، فنضحوهم بالنشاب ، وحملت خيلهم على المسلمين ، فانحاز حبيب وخيله ، حتى انتهى إلى يزيد ، فنزل يزيد وجعل على ميمنته عبادة بن الصامت ، وعلى الميسرة الضحاك بن قيس ، ورد حبيبا على الخيل ، ومشى يزيد