فى الرجال ، فحمل عليهم ، فاقتتلوا طويلا قتالا شديدا ، ثم بعث إلى الضحاك : أن احمل على ميمنتهم ، فحمل عليهم ، فهزمهم ، وقتل منهم مقتلة عظيمة ، وبعث إلى عبادة بن الصامت ، أن أحمل على ميسرتهم ، فحمل عليهم ، فثبتوا له ، فقاتلهم طويلا ، وقتل منهم مقتلة عظيمة ، ثم تحاجزوا ، وانصرف عبادة إلى موقفه ، فحرض أصحابه ووعظهم ، ثم قال : يا أهل الإسلام ، إنى كنت أحدث النقباء سنا ، وأبعدهم أجلا ، وقد قضى الله أن أبقانى حتى قاتلت هذا العدو معكم ، وإنى أسأل الله أن يرينى وإياكم أحسن ثواب المجاهدين ، والله الذي نفسى بيده ما حملت قط فى عصابة من المؤمنين على جماعة من المشركين إلا خلوا لنا العرصة ، وأعطانا الله عليهم الظفر غيركم ، فما بالكم حملتم على هؤلاء فلم تزيلوهم.
وإن عمر لما بلغه شدة قتال أهل اليرموك لكم قال : سبحان الله ، أو قد واقفوهم ، ما أظن المسلمين إلا قد غلوا ، ولو لم يغلوا ما واقفوهم ، ولظفروا بغير مئونة ، والله إنى خائف عليكم خصلتين : أن تكونوا قد غللتم ، أو لم تناصحوا الله فى حملتكم عليهم ، فشدوا عليهم يرحمكم الله معى إذا شددت ، فلا والله لا أرجع إلى موقفى هذا إن شاء الله ولا أزايلهم حتى يهزمهم الله أو أموت دونهم ، ثم حمل عليهم ، وحملت معه الميمنة على ميسرة الروم ، فصبروا لهم حتى تطاعنوا بالرماح ، واضطربوا بالسيوف ، واختلفت أعناق الخيل ، فلما رأى ذلك عبادة ترجل ، ثم نادى عمير بن سعد الأنصاري فى المسلمين : يا أهل الإسلام إن عبادة بن الصامت سيد المسلمين ، وصاحب راية رسول الله صلىاللهعليهوسلم قد نزل وترجل ، فالكرة الكرة إلى رحمة الله والجنة ، واتقوا عواقب الفرار ، فإنها تقود إلى النار.
وأقبل المسلمون إلى عبادة وهو يجالدهم ، وقد كانوا أحاطوا به ، فحمل عليهم ، فقصف بعضهم على بعض ، فأزالوهم عن موقفهم ، ثم شدوا عليهم ، وحمل حبيب بن مسلمة على من يليه منهم ، ثم حمل يزيد بن أبى سفيان بجماعة المسلمين عليهم ، فانهزموا انهزاما شديدا ، ووضع المسلمون سلاحهم وسيوفهم حيث أحبوا منهم ، وأتبعوهم يقتلونهم كيف شاءوا ، حتى حجزوهم فى حصنهم ، وقد قتلوا من رؤسائهم وبطارقتهم وفرسانهم مقتلة عظيمة ، ثم أقاموا عليهم فحصروهم وقطعوا عنهم المادة ، وضيقوا عليهم ، وحاصروهم أشد الحصار ، فلما طال عليهم البلاء تلاوموا ، وقال بعضهم لبعض : اخرجوا بنا إليهم نقاتلهم حتى نظفر بهم أو نموت كراما ، فاستعدوا فى مدينتهم ، وخرجوا على تعبئتهم ، والمسلمون غارون لا يشعرون ولا يعلمون أنه يخرجون إليهم ،