فأجابهم من بها من الروم ، فخرج إليهم عمرو بن العاص فى البر والبحر ، فقاتلهم قتالا شديدا ، فهزمهم الله وقتل منويل ، ولم يكن المقوقس تحرك ولا نكث.
ويقال : أن هذا انتقاض ثان للإسكندرية بعد انتقاضها الذي ذكره ابن لهيعة أولا وكان ذلك فى زمان عمر ، وهذا الذي ذكر يزيد بن أبى حبيب فى خلافة عثمان ، رضياللهعنهما ، وسيأتى ذكره فى موضعه مستوفى إن شاء الله.
وقيل : إن جميع من قتل من المسلمين من حين كان من أمر الإسكندرية ما كان إلى أن فتحت اثنان وعشرون رجلا.
وبعث عمرو بن العاص ، معاوية بن حديج (١) وافدا إلى عمر بن الخطاب يبشره بالفتح ، فقال له معاوية : ألا تكتب معى؟ فقال له عمرو : ما أصنع بالكتاب ، ألست رجلا عربيا تبلغ الرسالة وما رأيت وحضرته؟.
فلما قدم على عمر أخبره بفتح الإسكندرية ، فخر عمر ساجدا وقال : الحمد لله.
ويروى عن معاوية بن حديج أنه قال : قدمت المدينة فى الظهيرة فأنخت راحلتى بباب المسجد ، ثم دخلت المسجد ، فبينا أنا قاعد فيه إذ خرجت جارية من منزل عمر بن الخطاب فرأتنى شاحبا علىّ ثياب السفر ، فأتتنى فقالت : من أنت؟ فقلت : أنا معاوية بن حديج رسول عمرو بن العاص. فانصرفت عنى ، ثم أقبلت تشتد ، فقالت : قم فأجب أمير المؤمنين. فتبعتها ، فلما دخلت إذا بعمر بن الخطاب يتناول رداءه فقال : ما عندك؟ فقلت: خير يا أمير المؤمنين ، فتح الله الإسكندرية ، فخرج معى إلى المسجد فقال للمؤذن : أذن فى الناس الصلاة جامعة ، فاجتمع الناس ثم قال لى : قم فأخبر أصحابك. فقمت فأخبرتهم ، ثم صلى ودخل منزله واستقبل القبلة فدعا بدعوات ثم جلس فقال : يا جارية ، هل من طعام؟ فأتت بخبز وزيت ، فقال : كل ، فأكلت على حياء ، ثم قال : كل فإن المسافر يحب الطعام ، فلو كنت آكلا لأكلت معك. فأصبت على حياء ، ثم قال : يا جارية ، هل من تمر؟ فأتت بتمر فى طبق ، فقال : كل ، فأكلت على حياء ، ثم قال : ما ذا قلت يا معاوية حين أتيت المسجد؟ قال : قلت : أمير المؤمنين قائل (٢). قال : بئس ما قلت ، أو بئس ما ظننت. لئن نمت بالنهار لأضيعن الرعية ، ولئن نمت الليل لأضيعن نفسى ، فكيف بالنوم مع هذين يا معاوية؟.
__________________
(١) انظر ترجمته فى : أسد الغابة ترجمة رقم (٤٩٨٠).
(٢) القائل : هو النائم فى وسط النهار. انظر : القاموس المحيط للفيروزآباديّ (٤ / ٤٢).