بعضهم بعضا إلا بإذن الملك ، فلما أخرب خالد أمغيشيا علم أنه غير متروك ، فتهيأ لحرب خالد ، وقدم ابنه ، ثم خرج فى أثره ، فعسكر خارجا من الحيرة ، وأمر ابنه بسد الفرات.
ولما استقبل خالد من أمر أمغيشيا وحمل الرجل فى السفن مع الأثقال والأنفال ، لم يفجأ خالدا إلا والسفن جوانح فارتاعوا لذلك ، فقال الملاحون : إن أهل فارس فجروا النهار ، فسلك الماء على غير طريقه ، فلا يأتينا الماء إلا بسد الأنهار ، فتعجل خالد فى خيل نحو الآزادبه ، فلقى على فم العتيق خيلا من خيلهم ، فجأهم وهم آمنون غارته تلك الساعة ، فأنامهم بالمقر ، ثم سار من فوره ، وسبق الأخبار إلى ابن الآزادبه حتى يلقاه وجنوده بفم فرات بادقلى ، فاقتتلوا ، فأنامهم خالد ، وفجر الفرات وسد الأنهار فسلك الماء سبيله.
ثم قصد خالد للحيرة ، واستلحق أصحابه ، وسار حتى ينزل بين الخورنق والنجف ، فقدم خالد الخورنق ، وقد قطع الآزادبه الفرات هربا من غير قتال ، وإنما جرأه على الهرب أن الخبر وقع إليه بموت أردشير وبمصاب ابنه ، وكان عسكره بين الغربين والقصر الأبيض. ولما تتام أصحاب خالد إليه بالخورنق خرج منه حتى يعسكر فى موضع عسكر الآزادبه بين الغربين والقصر الأبيض ، وأهل الحيرة متحصنون ، فأدخل خالد الحيرة الخيل من عسكره ، وأمر بكل قصر رجلا من قواده يحاصر أهله ويقاتلهم ، فكان ضرار بن الأزور محاصرا للقصر الأبيض ، وفيه إياس بن قبيصة الطائى ، وكان ضرار بن الخطاب محاصرا قصر الغربين وفيه عدى بن عدى المقتول ، وكان ضرار بن مقرن المزنى ، عاشر عشرة إخوة له ، محاصرا قصر بنى مازن وفيه ابن أكال ، وكان المثنى محاصرا قصر بنى بقيلة وفيه عمرو بن عبد المسيح ، فدعوهم جميعا ، وأجلوهم يوما ، فأبى أهل الحيرة ولجوا ، فناوشهم المسلمون.
وعهد خالد إلى أمرائه أن يبدءوا بالدعاء ، فإن قبلوا قبلوا منهم ، وإن أبوا أجلوهم يوما ، وقال : لا تمكنوا عدوكم من آذانكم فيتربصوا بكم الدوائر ، ولكن ناجزوهم ولا ترددوا المسلمين عن قتال عدوهم.
فكان أول القواد أنشب القتال بعد يوم أجلوهم فيه ضرار بن الأزور ، وكان على قتال القصر الأبيض ، فأصبحوا وهم مشرفون ، فدعاهم إلى إحدى ثلاث : الإسلام ، أو الجزاء ، أو المنابذة ، فاختاروا المنابذة ، فقال ضرار : ارشقوهم ، فدنوا منهم فرشقوهم بالنبل ، فأعروا رءوس الحيطان ، ثم بثوا غارتهم فيمن يليهم ، وصبح أمير كل قوم أصحابه