أصحابنا ، فحملوا وأفرجوا لهم حتى وصلوا إلى المسلمين ، وكان عروة يومئذ على فرس كميت أغر الذنوب ، فأبلى أحسن بلاء ، كان يشد عليه المنسر من مناسر العجم وهو وحده فإذا غشوه كر عليهم فيتصدعون حتى عرف مكانه ، وتعجب الناس يومئذ من عروة لما رأوا من بلائه ، فقال المثنى : إن البأس ليس له بمستنكر ، ومضى الناس نحو الجسر ، وحماهم المثنى وعروة بن زيد الخيل والكلح الضبى وعاصم بن عمرو الأسدي وعامر بن الصلت السلمى ونادى المثنى : أيها الناس ، أنا دونكم فاعبروا على هيئتكم ولا تدهشوا فإنا لن نزول حتى نراكم من ذلك الجانب ، ولا تفرقوا أنفسكم. فانتهى الناس إلى الجسر وقد سبق إليه عبد الله بن مرثد الثقفى أو غيره فقطعه وقال : قاتلوا عن دينكم ، فخشع الناس واقتحموا الفرات فغرق من لم يصبروا ، وأسرع المشركون فيمن صبروا ، وأتاهم المثنى بن حارثة فأمر بالسفينة التي قطعت فوصلت بالجسر وعبر الناس ، وقال المثنى للرجل الذي قطع الجسر : ما حملك على ما صنعت؟ قال : أردت أن يصبر الناس ، ويقال إن سليط بن قيس كان من آخر من قتل عند الجسر.
وأصيب يومئذ من المسلمين ألف وثمانمائة منهم ثلاثمائة من ثقيف فيهم ثمانون خاضبا ، واستحر القتل يومئذ ببنى عوف بن عقدة رهط أبى عبيد فابيد منهم : أبو عبيد وأمراؤه الذين أمر ، وغيرهم. ويقال : قتل يومئذ معه اثنان وعشرون رجلا ممن هاجر ، وقتل من المشركين ألفان.
وقتل أكثر من ذلك فيما ذكره سيف ، قال : خبط الفيل أبا عبيد ، وقد أسرعت السيوف فى أهل فارس ، وأصيب منهم ستة آلاف فى المعركة ، ولم يبق إلا الهزيمة ، فلما خبط أبو عبيد ، وقام عليه الفيل جال المسلمون جولة ، ثم تموا عليها ، وركبهم أهل فارس.
وقال عثمان النهدى : هلك يومئذ ، يعنى من المسلمين ، أربعة آلاف بين قتيل وغريق ، وهرب ألفان ، وبقى ثلاثة آلاف.
ولما فرغ الناس بالعبور عبر المثنى وحمى جانبه ، واضطرب عسكره ورماهم ذو الحاجب فلم يقدر عليهم ، وقطع المسلمون الجسر بعد عبورهم ، فعبره المشركون.
قالوا (١) : وخرج جابان ، ومردانشاه فى ألف من الأساورة منتخبين ليسبقوا المسلمين إلى الطريق ، وبلغ ذلك المثنى ، فاستخلف على الناس عاصم بن عمرو ، وخرج يريدهما
__________________
(١) انظر : الطبرى (٣ / ٤٥٨ ، ٤٥٩).