وقال ابن ذى السهمين محدثا : قلت لأصحابى إنى سمعت الأمير يقرأ ويذكر فى قراءته الزحف ، فما ذكره إلا لفضل فيه ، فاقتدوا برايتكم ولتحمى خيلكم رجلكم ، وازحفوا فما لقول الله من خلف ، فأنجز الله لهم وعده كما رجوت.
وقال عرفجة محدثا : حزنا كتيبة منهم إلى الفرات ، ورجوت أن يكون الله قد أذن فى غرقهم وأن يسلينا بها عن مصيبة الجسر ، فلما حصلوا فى حد الإحراج كروا علينا فقتلناهم قتالا شديدا حتى قال بعض قومى : لو أخذت رايتك ، فقلت علىّ إقدامها ، وحملت بها على حاميتهم فقتلته فولوا نحو الفرات فما بلغوه ومنهم أحد فيه الروح.
وقد كان المثنى قال يومئذ : من يتبع آثار المنهزمة حتى يبلغ السيب؟ فقام جرير فى قومه فقال : يا معشر بجيلة إنكم وجميع المسلمين ممن شهد هذا اليوم فى السابقة والفضيلة سواء ، وليس لأحد منهم فى هذا الخمس غدا من النفل مثل الذي لكم منه ، نفلا من أمير المؤمنين ، فلا يكونن أحد أسرع إلى هذا العدو ولا أشد عليه منكم للذى لكم منه إلى ما ترجون ، فإنما تنتظرون إحدى الحسنيين الشهادة والجنة أو الظفر والغنيمة والجنة.
ومال المثنى على الذين أرادوا أن يستنثلوا بالأمس من منهزمة يوم الجسر فقال : أين المستنثل بالأمس وأصحابه؟ انتدبوا فى آثار هؤلاء القوم إلى السيب وأبلغوا من عدوكم ما تغيظونهم به فهو خير لكم وأعظم أجرا ، واستغفروا الله إن الله غفور رحيم.
وكان هذا المستنثل ، أو هو إن شاء الله سعد بن عبيد الأنصاري ، قد أراد الخروج بالأمس من صف المسلمين إلى العدو ، فقيل للمثنى : ألا ترى إلى هذا الرجل الذي يريد أن يستنثل ، فركض إليه ، فقال : يا أبا عبد الله ، ما تريد أن تصنع؟ قال : فررت يوم أبى عبيد ، فأردت أن تكون توبتى وانتصارى أن أمشى إليهم فأقاتل حتى أقتل ، قال : إذن لا تضر عدوك ولا تنفع وليك ، ولكن أدلك على ما هو خير لك ، تثبت على صفك وتجزى قرنك وتواسى أخاك بنفسك وتنصره وينصرك فتكون قد نفعت المسلم وضررت العدو ، فأطاعه وثبت مكانه ، فكان يومئذ أول منتدب.
فأمر المثنى أن يعقد لهم الجسر ثم أخرجهم فى أثر القوم ، واتبعتهم بجيلة وخيول المسلمين بعد من كل فارس ، ولم يبق فى العسكر جسرى إلا خرج فى الخيل ، فانطلقوا فى طلب العدو حتى بلغوا السيب ، فأصابوا من البقر والسبى وسائر الغنائم شيئا كثيرا فقسمه المثنى عليهم ، وفضل أهل البلاء من جميع القبائل ، ونفل بجيلة يومئذ ربع الخمس بينهم بالسوية وبعث بثلاثة أرباعه إلى عمر ، رضياللهعنه ، وألقى الله الرعب فى قلوب