أهل فارس ، وكتب القواد الذين قادوا الناس فى الطلب إلى المثنى ، وكتب إليه عاصم وعصمة وجرير : إن الله قد كفى رستم ووجه لنا ما رأيت ، وليس دون القوم شيء ، فأذن لنا فى الإقدام ، فأذن لهم فأغاروا حتى بلغوا ساباط ، وتحصن أهلها منهم ، واستباحوا القريات دونها وراماهم أهل الحصن عن حصنهم بساباط ثم انطفئوا راجعين إلى المثنى.
قالوا : وكان المثنى وعصمة وجرير أصابوا فى أيام البويب على الظهر نزل مهران غنما ودقيقا وبقرا ، فبعثوا بها إلى عيالات من قدم من المدينة وقد خلفوهن بالقوادس ، وإلى عيالات أهل الأيام قبلهم وهن بالحيرة ، وكان دليل الذين ذهبوا بنصيب العيالات اللواتى بالقوادس عمرو بن عبد المسيح بن بقيلة ، فلما رفعوا للنسوة فرأين الخيل تصايحن وحسبنها غارة فقمن دون الصبيان بالحجارة والعمد ، فقال عمرو : هكذا ينبغى لنساء هذا الجيش ، وبشروهن بالفتح.
ولما أهلك الله ، عزوجل ، مهران استكمن المسلمون من الغارة على السواد فيما بينهم وبين دجلة ، فمخروها لا يخافون كيدا ولا يلقون فيها مانعا ، وانتفضت مسالح العجم فرجعت إليهم واعتصموا بالساباط ، وسرهم أن يتركوا ما وراء دجلة ، ونزل جرير والمثنى الحيرة وبثا المسالح فيما بين الأنبار وعين التمر إلى الطف ، فمن كان أقام على صلحه قبلوا ذلك منه ، ومن نقض أغاروا عليه ، فكان أهل الحيرة وبانيقيا وغيرهم على صلحهم.
وكانت وقعة البويب فى رمضان من سنة ثلاث عشرة.
وتنازع ، أيضا ، المثنى وجرير الإمارة ، وكان المثنى أحب إلى نزار ، وجرير أحب إلى اليمانية ، فكتب إلى عمر ، رحمهالله ، فى ذلك ، فكان من مشورته فيه وعمله ما سيأتى بعد ذكره.
وشخص المثنى عند ذلك فنزل أليس ، ويقال شراف ، وهو وجع من جراحات به ، وارتحل معه عامة النزارية ، فلما رأى ذلك جرير تحول فنزل العذيب مع العيال ، ومعه أخلاط الناس وهو الأمير عليهم فى قول بعضهم ، وفى هذه الإمارات كلها اضطراب من نقلة الأخبار واختلاف بين القبائل ، فبنو شيبان تقول : كان جرير الأمير يوم قتل مهران المثنى ، وبجيلة تقول : كان الأمير يوم ذلك وقبل وبعد ، والأظهر مما تقدم من الأخبار أن المثنى كان الأمير فى تلك الحرب ، إلا أن يكون جرير على من معه كما قد قيل ، فالله تعالى أعلم.