فكانوا قد اكتسبوا منه ما اكتفوا به لو أقاموا زمانا ، فكانت السرايا إنما تسرى للحوم ، ويسمون أيامها بها ، كيوم الأباقر ويوم الحيتان. وخرج ، أيضا ، مالك بن ربيعة بن خالد ، من تيم الرباب ، ومعه المسافر بن النعمان التميمى فى سرية أخرى ، فأغاروا على الفيوم فأصابوا إبلا لبنى تغلب والنمر فشلوها ومن فيها ، فغدوا بها على سعد ، فنحرت الإبل فى الناس ، وأخصبوا.
ولما كتب سعد إلى عمر ، رحمهالله ، يخبره بأمر ابن كسرى ، وإعداده للمصادمة ، وأن من كان صالح المسلمين من أهل السواد قد صاروا إلبا عليهم لأهل فارس ، قال : وأمر الله بعد ماض ، وقضاؤه مسلم إلى ما قدر لنا وعلينا ، فنسأل الله خير القضاء ، وخير القدر فى عافية. كتب إليه عند ذلك عمر ، رحمهالله :
قد جاءنى كتابك وفهمته ، فأقم مكانك حتى ينغض الله لك عدوك ، واعلم أن لها ما بعدها ، فإن منحك الله أدبارهم فلا تنزع عنهم حتى تقتحم عليهم المدائن ، فإنه خرابها إن شاء الله.
وجعل عمر يدعو لسعد خاصة ، وللمسلمين عامة ، ويدعون له معهم.
وفيما ذكر سيف عن رجاله (١) قالوا : كان بين خروج رستم من المدائن وعسكرته بساباط وزحفه عنها إلى أن لقى سعدا أربعة أشهر ، لا يقدم ولا يقاتل ، رجاء أن يضجروا بمكانهم ، وأن يجهدوا فينصرفوا ، وكان يكره القتال مخافة أن يلقى ما لقى من قبله ، ويحب المطاولة له لو لا أن الملك جعل يستعجله وينهضه ويقدمه حتى أقحمه.
وكتب عمر ، رضياللهعنه ، إلى سعد :
إنه قد ألقى فى روعى أنكم إذا لقيتم العدو وهزمتموهم ، فاطرحوا الشك ، وآثروا عليه اليقين ، فمن لاحن منكم أحدا من العجم بأمان بإشارة أو بلسان ولا يدرى الأعجمى ما كلمتموه به ، وكان عندهم أمانا ، فأجروا ذلك مجرى الأمان ، وآثروا اليقين والنية على الشك ، وإياكم والمحك ، وعليكم بالوفاء ، فإن الخطأ مع الوفاء له بقية ، والخطأ بالغدر هلكة ، وفيها وهنكم وقوة عدوكم وذهاب ريحكم وإقبال ريحهم ، وإياكم أن تكونوا شينا على المسلمين ، وسببا لتوهينهم.
وكتب إليه سعد يستمده ، فكتب إليه عمر :
__________________
(١) انظر : الطبرى (٣ / ٥٠٩).