هو يصنعه والذي صنعه. وأما الذي ذكرت به نفسك وأهل بلادك من الظهور على الأعداء والتمكين فى البلاد وعظم السلطان فى الدنيا ، فنحن نعرفه ولا ننكره ، والله صنعه لكم ، ووضعه فيكم ، وهو له دونكم ، وأما ما ذكرت فينا من سوء الحال ، وضيق المعيشة ، واختلاف القلوب ، فنحن نعرفه ، والله ابتلانا بذلك ، وصيرنا إليه ، والدنيا دول ، ولم يزل أهل شدائدها يتوقعون الرخاء حتى يصيروا إليه ، وأهل رخائها يتوقعون الشدة حتى تنزل بهم ، ويصيروا إليها ، ولو كنتم فيما آتاكم الله دوننا أهل شكر ، لكان شكركم يقصر عما أوتيتم ، ولأسلمكم ضعف الشكر إلى تغير الحال ، ولو كنا فيما ابتلينا به أهل كفر ، كان عظيم ما تتابع علينا مستجلبا من الله رحمة يرفه بها عنا ، ولكن الشأن غير ما تذهبون إليه ، إن الله تعالى بعث فينا رسولا ، فكذبه مكذبون وصدقه منا آخرون ، وأظهر الله دعوته ، وأعز دينه على كره ممن كذبه وحاده ، حتى دخلوا فى الإسلام طوعا وكرها ، فأمرنا أن ندعو من خالفنا إلى ديننا ، فمن أباه قاتلناه.
وذكر نحو ما تقدم من الكلام فى الأحاديث المتقدمة من دعائه إلى الإسلام ، وقال له:فإن أبيت فكن لنا عبدا تؤدى الجزية عن يد وأنت صاغر ، وإلا السيف إن أبيت.
فنخر رستم عند ذلك نخرة واستشاط غضبا ، ثم حلف بالشمس لا يرتفع لكم الضحى غدا حتى أقتلكم أجمعين.
فانصرف المغيرة ، وخلص رستم بأشراف فارس ، فقال : أين هؤلاء منكم؟ ما بعد هذا؟ ألم يأتكم الأولان فجسراكم واستخرجاكم ، ثم جاءكم هذا فلم يختلفوا ، وسلكوا طريقا واحدا ، ولزموا أمرا واحدا ، هؤلاء والله الرجال ، صادقين أو كاذبين ، والله لئن كان بلغ من رأيهم وصونهم أمرهم أن لا يختلفوا ، ما قوم أبلغ فيما أرادوا منهم ، وإن كانوا صادقين ما يقوم لهؤلاء شيء فلجوا وتجلدوا ، فقال : والله إنى لأعلم أنكم تصغون إلى ما أقول لكم ، وإن هذا منكم رياء ، فازدادوا لجاجا.
وفى بعض الروايات أن مما قال المغيرة لرستم وقد توعد المسلمين بأنهم مقتولون ، قال : هو الذي نتمنى ، أن المقتول منا صائر فى الجنة ، والهارب فى النار ، وللباقى الصابر الظفر بحديث صادق ووعد لا خلف له ، وقد أصبنا فى بلادكم حبة كأنها قطع الأوتار ، فأكلنا منها وأطعمنا أهلينا ، فقالوا : لا صبر لنا حتى تنزلونا هذه البلاد.
قال رستم : أما لنقرننكم فى الجبال.
قال المغيرة : أما وبنا حياة فلا.