قالوا : وأرسل سعد للذين انتهى إليهم رأى الناس ، والذين انتهت إليهم نجدتهم ، وأصناف الفضل منهم إلى الناس ، فقال : انطلقوا فقوموا فى الناس بما يحق عليكم وعليهم عند مواطن البأس ، فإنكم من العرب بالمكان الذي أنتم به ، وأنتم شعراء العرب وخطباؤهم وذوو رأيهم ونجدتهم وسادتهم ، فسيروا فيهم ، وحرضوهم على القتال. فساروا فيهم.
فقال قيس بن هبيرة : أيها الناس ، احمدوا الله على ما هداكم له وأبلاكم يزدكم ، واذكروا آلاء الله ، وارغبوا إليه فى عادته ، فإن الجنة والغنيمة أمامكم ، وإنه ليس وراء هذا القصر إلا العراء ، والأرض القفر ، والظراب الخشن ، والفلوات التي لا تقطعها الأدلة.
وقال غالب بن عبد الله الليثى : أيها الناس ، احمدوا الله على ما أبلاكم ، وسلوه يزدكم ، وادعوه يجبكم ، يا معشر معد ، ما علتكم اليوم وأنتم فى حصونكم ، يعنى الخيل ، ومن لا يعصيكم معكم ، يعنى السيوف؟ فاذكروا حديث الناس فى غد ، فإنه بكم غدا يبدأ ، وبمن بعدكم يثنى.
وقال ابن الهذيل الأسدي : يا معشر معد ، اجعلوا حصونكم السيوف ، وكروا عليهم كأسود الجم ، وتربدوا إليهم تربد النمور ، وادرعوا العجاج ، وثقوا بالله تعالى وغضوا الأبصار ، فإذا كلت السيوف فإنها يؤذن لها فيما لا يؤذن للحديد فيه.
وقال بسر بن أبى رهم : احمدوا الله ، وصدقوا قولكم بفعل ، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ، انصروا الله ينصركم ، ولا يكونن شيء بأهون عليكم من الدنيا ، فإنها تأتى من تهاون بها ، ولا تميلوا إليها فتهرب منكم.
وقال عاصم بن عمرو : يا معشر العرب ، إنكم أعيان العرب ، وقد صمدتم لأعيان العجم ، إنما تخاطرون بالجنة ، ويخاطرون بالدنيا ، فلا يكونن على دنياهم أحوط منكم على آخرتكم. لا تحدثن اليوم أمرا تكونون به شينا على العرب غدا.
وقال ربيع السعدى : يا معشر العرب ، قاتلوا للدين والدنيا ، (سارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) [آل عمران : ١٣٣] ، فإن عظم الشيطان عليكم الأمر ، فاذكروا الأخبار عنكم بالمواسم ما دام للأخبار أهل.
وتقدم كل واحد من أولئك الذين بعثهم سعد من وجوه الناس بمثل هذا الكلام ، وتواثق الناس ، وتعاهدوا ، واهتاجوا لكل ما ينبغى لهم.