وفعل أهل فارس ، فيما بينهم ، مثل ذلك ، وتعاهدوا وتواصوا ، واقترنوا بالسلاسل ، وكان المقترنون ثلاثين ألفا.
وقال سعد للناس : الزموا مواقفكم ، لا تحركوا شيئا حتى نصلى الظهر ، فإذا صليتم الظهر فإنى مكبر تكبيرة فكبروا واستعدوا ، واعلموا أن التكبير لم يعطه أحد قبلكم ، وإنما أعطيتموه تأييدا ، فإذا سمعتم الثانية فكبروا ، ولتستتموا عدتكم ، فإذا كبرت الثالثة فكبروا ، ولينشط فرسانكم الناس ليبرزوا ويطاردوا ، فإذا كبرت الرابعة فازحفوا جميعا حتى تخالطوا عدوكم ، وقولوا : لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.
ويروى أنه لما نادى منادى سعد بالظهر ، نادى رستم : أكل عمر كبدى أحرق الله كبده علم هؤلاء حتى علموا.
وقيل : إن رستم قال نحوا من هذا عند ما نزل بين الحصن والعتيق ، وقد أذن مؤذن سعد الغداة ، وراى الناس يتخشخشون ، فنادى فى أهل فارس : أن اركبوا ، فقيل له : ولم؟
قال : أما ترون إلى عدوكم قد نودى فيهم فتخشخشوا لكم؟ فقال له رجل قد كان رستم بعثه قبل ذلك عينا إلى عسكر المسلمين فانغمس فيهم وعرف حالهم ، وانصرف إليه : فأخبره أن ذلك تخشخشهم للصلاة. فقال رستم بالفارسية ما تفسيره : أتانى صوت عند الغداة ، وإنما هو عمر الذي يعلم الكلاب العقل ، فلما سمع الأذان بالصلاة قال : أكل عمر كبدى.
قالوا : ولما صلى سعد الظهر أمر غلاما كان عمر ، رحمهالله ، ألزمه إياه ، وكان من القراء ، بقراءة سورة الجهاد ، وكان المسلمون كلهم إذ ذاك يتعلمونها ، فقرأها على الكتيبة التي تليه ، وقرئت فى كل كتيبة ، فهشت قلوب الناس وعرفوا السكينة مع قراءتها.
قال مصعب بن سعد : وكانت قراءتها سنة ، يقرأها رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، عند الزحف ، ويستقرئها ، فعمل الناس بذلك.
قالوا : ولما فرغ القراء ، كبر سعد فكبر الذين يلونه ، وكبر بعض الناس بتكبير بعض ، فتخشخش الناس ، ثم ثنى فاستتم الناس ، ثم ثلث فبرز أهل النجدات فأنشبوا القتال ، وخرج أمثالهم من فارس ، فاعتوروا الطعن والضرب ، وخرج غالب بن عبد الله الليثى وهو يقول :
قد علمت واردة المسالح |
|
ذات البنان واللبان الواضح |