وفى كتاب سيف (١) عمن سمى من رجاله قالوا : ونفل سعد من أخماس جلولاء من أعظم البلاء ممن شهدها ، ومن أعظمه ممن كان ثابتا بالمدائن ، وبعث بالأخماس مع قضاعى بن عمرو الدؤلى من الذهب والورق والآنية والثياب ، وبعث بالسبى مع أبى مفزر الأسود بن قطبة. قال بعضهم : وبعث بالحساب مع زياد بن أبى سفيان ، وكان الذي يكتبه للناس ويدونهم ، فلما قدموا على عمر كلم زياد عمر فيما جاء به ووصف له ، فقال له عمر : هل تستطيع أن تقوم فى الناس بمثل الذي كلمتنى به؟ فقال : والله ما على الأرض شخص أهيب فى صدرى منك ، فكيف لا أقوى على هذا فى غيرك؟ فقام فى الناس بما أصابوا وبما صنعوا ، وبما يستأذنون فيه من الانسياح فى البلاد ، فقال عمر ، رضياللهعنه : هذا الخطيب المصقع ، فقال زياد : إن جندنا أطلقوا بأفعالهم لسانى.
وعن أبى سلمة قال (٢) : لما قدم على عمر ، رحمهالله ، بالأخماس من جلولاء ، قال عمر : والله لا يجنه سقف بيت حتى أقسمه. فبات عبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن أرقم يحرسانه فى صحن المسجد ، فلما أصبح جاء فى الناس وكشف عنه جلابيبه ، وهى الأنطاع ، فلما نظر إلى ياقوته وزبرجده وجوهره بكى ، فقال له عبد الرحمن : ما يبكيك يا أمير المؤمنين؟ فو الله إن هذا إلا موطن شكر. فقال عمر : والله ما ذاك يبكينى ، وتالله ما أعطى الله هذا قوما إلا تحاسدوا وتباغضوا ، ولا تحاسدوا إلا ألقى باسهم بينهم. ثم دعا الحسن فيما ذكر المدائنى فحثا له ، ثم دعا الحسين فحثا له ، ثم قال : ما ترى؟ أنحثى لهم حثيا أم نكيل بالصاع. قال : بل احث لهم ، ففعل ، ثم دون الدواوين وفرض وقسم.
وذكر المدائنى ، أيضا ، أن سعدا كتب إلى عمر ، رحمهالله ، مع زياد يستأذنه فى اتباع المشركين ويصغر أمرهم عنده ، فكتب إليه عمر : جاءنى كتابك تستأذننى فى اتباع المشركين ، وسيأتى فيهم أمرى ، وذلك من حق إمامك عليك ، وإنما حق المسلم على المسلم بحق الله ، وإن أعظم أهل الإسلام حقا عليهم إمامهم ، وذلك أنه لا تجد أحدا من الناس صلاح أهل الأرض فى صلاحه إلا نبى أو خليفة ، فالأمر إليك فى اتباعهم تغرير بالمسلمين ، وانظر ما أجلب الناس به عليك فى العساكر من مال أو كراع أو سلاح أو متاع ، فاقسمه بين من حضر ، واترك الأرضين والأنهار فتكون فى أعطية المسلمين ، فإنك إن قسمتها بين من حضرك لم يكن لمن بعدهم شيء ولا توطن ولدا من والده ، ولا تمسن أنثى من السبى حتى يطيب رحمها ، ولا تتخذن مشركا أمينا على المسلمين ، فإنهم
__________________
(١) انظر : الطبرى (٤ / ٢٩).
(٢) انظر : الطبرى (٤ / ٣٠).