أن العرب قد ألحوا علىّ فاشغلوهم عنى ، وردوهم إلى بلادهم ، فكتب بعضهم إلى بعض : أن صاحب العرب الذي جاء بدينهم وأظهر أمرهم هلك ، وملك بعده رجل لم يلبث إلا قليلا حتى هلك ، وإن صاحبهم هذا عمر وطال سلطانه ، وأغزى جنوده بلادكم ، فليس بمنته حتى تخرجوه من بلادكم وتغزوه فى بلاده ، فأجمعوا على ذلك وتمالوا عليه وتعاقدوا ، وأنفذوا أن يجتمعوا بنهاوند ، وبلغ ذلك أهل الكوفة ، فكتبوا به إلى عمر ، فخرج يمشى حتى قام على المنبر ، فقال : أين المسلمون؟ أين المهاجرون والأنصار؟ فاجتمع الناس ، فحمد الله وأثنى عليه ، وقال : إن عظماء أهل الرى وأهل أصبهان وأهل همذان وأهل نهاوند وأهل قومس وأهل حلوان ، أمم مختلفة ألوانها وألسنتها وأديانها ومللها ، وقد تعاهدوا أن يخرجوا إخوانكم من بلادهم وأن يغزوكم فى بلادكم ، فأشيروا علىّ وأوجزوا ولا تطنبوا ، فتفشغ بكم الأمور.
فقام طلحة ، وكان من خطباء قريش وذوى رأيهم ومن علية أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال : يا أمير المؤمنين ، قد حنكتك الأمور ، وجربتك الدهور ، وعجمتك البلايا ، وأحكمتك التجارب ، فأنت ولى ما وليت ، لا ينبثر فى يديك ، ولا يحل عليك ، فمرنا نطع ، واحملنا نركب ، وقدنا ننقد ، فإنك مبارك الأمر ، ميمون النقيبة ، وقد أخبرت وخبرت وجربت ، فلم ينكشف شيء من عواقب قضاء الله لك إلا عن خيار.
قال : تكلموا ، فقال عثمان : اكتب إلى أهل الشام أن يسيروا من شامهم ، وإلى أهل اليمن فليسيروا من يمنهم ، وسر نفسك فى أهل الحرمين إلى أهل المصرين ، فتلقى جمع المشركين بجمع المسلمين ، فيتعال فى عينك ما قد كثر عندك ، وتكون أعز منهم ، إنك لن تستبقى من نفسك باقية بعد العرب ، ولن تمتنع من الدنيا بعزيز ، ولا تلوذ منها بحريز ، وهذا يوم له ما بعده ، فاحضرهم برأيك ، واشهدهم بمقدرتك.
قال : تكلموا ، فقال على بن أبى طالب : يا أمير المؤمنين ، إن كتبت إلى أهل الشام فساروا من شامهم أغارت الروم على بلادهم ، وإن سار أهل اليمن من يمنهم خلفتهم الحبش فى عيالاتهم ، وإن سرت بأهل الحرمين انتقضت الأرض عليك من أقطارها ، حتى يكون ما تخلفه من العورات فى العيالات أهم إليك مما بين يديك ، وأما ما ذكرت من مسيرهم فالله لمسيرهم أكره ، وهو أقدر على تغيير ما كره ، وأما كثرتهم فإنا لم نكن نلق عدونا بالكثرة ، ولكنا كنا نلقاهم بالصبر ، إنك إن نظر إليك الأعاجم قالوا : هذا أمير العرب ، فكان أشد لحربهم وكلبهم ، ولكن اكتب إلى أهل البصرة فليتفرقوا على ثلاث فرق ، فلتقم فرقة فى ديارهم ، وفرقة فى أهل عهدهم ، وتسير فرقة إلى إخوانهم بالكوفة.