قال : هذا رأى ، وقد كنت أحب أن أتابع عليه ، لعمرى لئن سرت بأهل الحرمين ونظر إلىّ الأعاجم لتنقضن الأرض وليمدنهم من لم يمدهم ، وليقولن : أمير العرب إن قطعناه قطعنا أصل العرب ، فأشيروا علىّ برجل أوليه واجعلوه عراقيا ، قالوا : أنت أفضل رأيا وأعلم بأهل العراق ، وهم عمالك وقد وفدوا عليك وعرفتهم ، قال : لأولينها رجلا يكون لأول أسنة يلقاها ، النعمان بن مقرن. وكان النعمان بكسكر قد كتب إلى عمر : يا أمير المؤمنين ، إنما مثلى ومثل كسكر مثل شاب عند مومسة تلون له كل يوم وتعطر ، وإنى أذكرك الله إلا بعثتنى فى جيش إلى ثغر غازيا ، ولا تبعثنى جابيا.
فندب عمر أهل المدينة ، فانتدب منهم جمع ، فوجههم إلى الكوفة ، وكتب إلى عمار بن ياسر أن يستنفر ثلث أهل الكوفة ، وأن يسيروا إلى العجم بنهاوند ، فقد وليت عليهم النعمان بن مقرن المزنى ، وكتب إلى أهل الكوفة بذلك ، وكتب إلى أبى موسى أن يستنفر ثلث أهل البصرة إلى نهاوند ، وكتب إلى النعمان : إنى وجهت جيشا من أهل المدينة وأهل الكوفة وأهل البصرة إلى نهاوند ، فأنت على الناس ومعك فى الجيش طليحة بن خويلد وعمرو بن معدى كرب ، فأحضرهما الناس وشاورهما فى الحرب ، فإن حدث بك حدث ، فأمير الناس حذيفة ، فإن قتل فجرير بن عبد الله ، فإن قتل فالمغيرة بن شعبة ، فإن قتل فالأشعث بن قيس ، وذكر الأشعث فى هذا غريب ، فإن المعروف من عمر ، رضياللهعنه ، أنه لم يستعمل أحدا ممن ارتد ، ولكن هذا وقع فى هذا الحديث ، والله أعلم.
وبعث عمر بالكتاب مع السائب بن الأقرع بن عوف ، وقال له : إن سلم الله ذلك الجند فقد وليتك مغانمهم ومقاسمهم ، فلا ترفعن إلىّ باطلا ولا تمنعن أحدا حقه ، وإن هلك ذلك الجند فاذهب فلا أرينك أبدا ، فقدم السائب الكوفة فيمن نفر من أهل المدينة ، وبعث بكتاب أهل البصرة مع عمرو بن معدى كرب فاستنفرهم أبو موسى فنفر ثلثهم ، وخرجوا إلى الكوفة عليهم مجاشع بن مسعود ، وعلى أهل الكوفة حذيفة بن اليمان ، ثم ساروا جميعا مع من قدم من أهل المدينة إلى نهاوند ، وسار النعمان بن مقرن فتوافوا بنهاوند ، والأعاجم بها ستون ألفا عليهم ذو الفروة ، وهو ذو الحاجب ، وهم بمكان يقال له : الاستفيذهان بقرية يقال لها : فيديسجان ، دون مدينة نهاوند بفرسخين ، وقد خندق الأعاجم وهالوا فى الخندق ترابا قد نخلوه ، فبعث النعمان طليحة بن خويلد وبكير بن الشداخ ، فارس أطلال ، ليعلما علم القوم.
فأما بكير فانصرف ، فقيل له : ما ردك؟ قال : أرض العجم ، ولم يكن لى بها علم