وسألتك : هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ، فزعمت أن لا ، فقد عرفت أنه لم يكن ليدع الكذب على الناس ويكذب على الله ، وسألتك هل كان من آبائه ملك ، فقلت : لا ، فقلت : لو كان من آبائه ملك ، قلت : رجل يطلب ملك أبيه ، وسألتك : أأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم ، فقلت : ضعفاؤهم ، وهم أتباع الرسل ، وسألتك هل يزيدون أو ينقصون ، فزعمت أنهم يزيدون ، وكذلك الإيمان حتى يتم ، وسألتك : هل يرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه ، فزعمت أن لا ، وكذلك الإيمان حتى تخالط بشاشته القلوب لا يسخطه أحد ، وسألتك : هل قاتلتموه ، فقلت : نعم ، وأن حربكم وحربه دول سجال ، ويدال عليكم مرة ، وتدالون عليه أخرى وكذلك الرسل تبتلى ثم تكون لهم العاقبة ، وسألتك : ما ذا يأمركم به ، فزعمت أنه يأمركم بالصلاة والصدق والعفاف والوفاء بالعهد ، وأداء الأمانة ، وهو نبى ، وقد كنت أعلم أنه خارج لكم ولكن لم أظن أنه فيكم ، وإن كان ما أتانى عنه حقا ، فيوشك أن يملك موضع قدمي هاتين ، ولو أعلم أنى أخلص إليه لتجشمت لقيه ، ولو كنت عنده لغسلت قدميه.
قال أبو سفيان : «ثم دعا بكتاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقرئ ، فإذا فيه : «بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد بن عبد الله ، إلى هرقل عظيم الروم ، سلام على من اتبع الهدى ، أما بعد ، فإنى أدعوك بداعية الإسلام ، أسلم لتسلم ، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين ، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين ، ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ، أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ، ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله ، فإن تولوا فقولوا : اشهدوا بأنا مسلمون».
قال أبو سفيان : فلما قضى مقالته وفرغ الكتاب علت أصوات الذين حوله وكثر لغطهم ، فلا أدرى ما قالوا ، وأمر بنا فأخرجنا ، فلما خرجت أنا وأصحابى وخلصنا ، قلت لهم : لقد أمر أمر ابن أبى كبشة ، هذا ملك بنى الأصفر يخافه ، قال : فو الله ما زلت ذليلا مستيقنا أن أمره سيظهر حتى أدخل الله على الإسلام (١).
وفى حديث غير هذا ، ذكره أيضا الواقدى عن محمد بن كعب القرظى أن دحية الكلبى لقى قصر بحمص لما بعثه إليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقيصر ماش من قسطنطينة إلى إيلياء فى نذر كان عليه إن ظهرت الروم على فارس أن يمشى حافيا من قسطنطينة ، فقال لدحية قومه لما بلغ قيصر : إذا رأيته فاسجد له ، ثم لا ترفع رأسك أبدا حتى يأذن لك.
__________________
(١) انظر الحديث فى : صحيح البخاري (٦ / ٤٥) ، سنن أبى داود (٥١٣٦) ، تهذيب تاريخ دمشق لابن عساكر (٣ / ٤١٤).