قال دحية : لا أفعل هذا أبدا ، ولا أسجد لغير الله عزوجل ، قالوا : إذ لا يؤخذ كتابك ، ولا يكتب جوابك ، قال : وإن لم يأخذه ، فقال له رجل منهم : أدلك على أمر يأخذ فيه كتابك ، ولا يكلفك فيه السجود. قال دحية : وما هو؟ قال : إن له على كل عقبة منبرا يجلس عليه ، فضع صحيفتك تجاه المنبر ، فإن أحد لا يحركها حتى يأخذها هو ، ثم يدعو صاحبها فيأتيه. قال : أما هذا فسأفعل ، فعمد إلى منبر من تلك المنابر التي يستريح عليها قيصر ، فألقى الصحيفة ، فدعا بها فإذا عنوانها كتاب العرب ، فدعا الترجمان الذي يقرأ بالعربية ، فإذا فيه : «من محمد رسول الله إلى قيصر صاحب الروم» ، فغضب أخ لقيصر يقال له : نياق ، فضرب فى صدر الترجمان ضربة شديدة ، ونزع الصحيفة منه ، فقال له قيصر : ما شأنك ، أخذت الصحيفة؟ فقال : تنظر فى كتاب رجل بدأ بنفسه قبلك؟ وسماك قيصر صاحب الروم ، وما ذكر لك ملكا. فقال له قيصر : إنك والله ما علمت أحمق صغيرا ، مجنون كبيرا ، أتريد أن تخرق كتاب رجل قبل أن أنظر فيه ، فلعمرى لئن كان رسول الله كما يقول ، لنفسه أحق أن يبدأ بها منى ، وإن كان سمانى صاحب الروم لقد صدق ، ما أنا إلا صاحبهم وما أملكهم ، ولكن الله عزوجل سخرهم لى ، ولو شاء لسلطهم على كما سلط فارس على كسرى فقتلوه. ثم فتح الصحيفة ، فإذا فيها :
«بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد رسول الله ، إلى قيصر صاحب الروم ، سلام على من اتبع الهدى ، أما بعد : (يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ) الآية إلى قوله : (اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) [آل عمران : ٦٤] فى آيات من كتاب الله يدعوه إلى الله ويزهده فى ملكه ويرغبه فيما رغبه الله فيه من الآخرة ، ويحذره بطش الله وبأسه» (١).
وفى حديث غير الواقدى أن دحية لما لقى قيصر قال له : يا قيصر ، أرسلنى إليك من هو خير منك ، والذي أرسله خير منه ومنك ، فاسمع بذل ، ثم أجب بنصح ، فإنك إن لم تذلل لم تفهم ، وإن لم تنصح لم تنصف. قال : هات. قال : هل تعلم أن المسيح كان يصلى؟. قال : نعم ، قال : فإنى ادعوك إلى من كان المسيح يصلى له ، وأدعوك إلى من دبر خلق السموات والأرض والمسيح فى بطن أمه ، وأدعوك إلى هذا النبيّ الأمى ، الذي بشر به موسى وبشر به عيسى ابن مريم بعده ، وعندك من ذلك أثاره من علم تكفى عن العيان وتشفى عن الخبر فإن أجبت كانت لك الدنيا والآخرة ، وإلا ذهبت عنك الآخرة
__________________
(١) انظر الحديث فى : تهذيب تاريخ دمشق لابن عساكر (٥ / ٢٢٢) ، كنز العمال للمتقى الهندى (٣٠٢٧٨ ، ٣٠٣٣٧) ، دلائل النبوة لأبى نعيم (١٢١) ، مجمع الزوائد للهيثمى (٥ / ٣٠٦).