وشوركت فى الدنيا ، وأعلم أن لك ربا يقصم الجبابرة ويغير النعم.
فأخذ قيصر الكتاب فوضعه على عينيه ورأسه ، وقبله ، ثم قال : أما والله ، ما تركت كتابا إلا قرأته ، ولا عالما إلا سألته ، فما رأيت إلا خيرا ، فأمهلنى حتى أنظر من كان المسيح يصلى له ، فإنى أكره أن أجيبك اليوم بأمر أرى غدا ما هو أحسن منه ، فأرجع عنه ، فيضرنى ذلك ولا ينفعنى ، أقم حتى أنظر.
ويروى أن قيصر لما سأل أبا سفيان بن حرب عما سأله عنه من أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم حسبما تقدم ، وأخبره به قال : والذي نفسى بيده ليوشكن أن يغلب على ما تحت قدمي ، يا معشر الروم ، هلم إلى أن نجيب هذا الرجل إلى ما دعا إليه ، ونسأله الشام أن لا توطأ علينا أبدا ، فإنه لم يكتب نبى من الأنبياء قط إلى ملك من الملوك يدعوه إلى الله فيجيبه إلى ما دعاه إليه ، ثم يسأله عندها مسألة إلا أعطاه مسألته ما كانت ، فأطيعوني ، فلنجبه ونسأله أن لا توطأ الشام. قالوا : لا نطاوعك فى هذا أبدا ، تكتب إليه تسأله ملكك الذي تحت رجليك ، وهو هنالك لا يملك من ذلك شيئا ، فمن أضعف منك.
وفى هذا الحديث عن أبى سفيان أنه قال لقيصر لما سأله عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم فى جملة ما أجابه :
أيها الملك ، ألا أخبرك خبرا تعرف به أنه قد كذب؟. قال : وما هو؟ قلت : إنه زعم لنا أنه خرج من أرضنا أرض الحرم فى ليلة فجاء مسجدكم هذا مسجد إيلياء ورجع إلينا فى تلك الليلة قبل الصباح. قال : وبطريق إيلياء عند رأس قيصر ، فقال : قد علمت تلك الليلة ، قال : فنظر إليه قيصر ، وقال : وما علمك بهذا؟ قال : إنى كنت لا أنام ليلة أبدا حتى أغلق أبواب المسجد ، فلما كانت تلك الليلة أغلقت الأبواب كلها غير باب واحد غلبنى ، فاستعنت عليه عمالى ومن يحضرنى فلم نستطع أن نحركه ، كأنما نزاول جبلا ، فدعوت النجارين فنظروا إليه فقالوا : هذا باب سقط عليه النجاف والبنيان ، فلا نستطيع أن نحركه حتى نصبح ، فننظر من أين أتى ، فرجعت وتركت البابين مفتوحين ، فلما أصبحت غدوت عليهما فإذا الحجر الذي فى زاوية المسجد مثقوب ، وإذا فيه أثر مربط الدابة ، فقلت لأصحابى : ما حبس هذا الباب الليلة إلا على نبى ، وقد صلى الليلة فى مسجدنا هذا.
فقال قيصر لقومه : يا معشر الروم ، ألستم تعلمون أن بين عيسى وبين الساعة