نبى بشركم به عيسى ابن مريم ، ترجون أن يجعله الله فيكم؟ قالوا : بلى ، قال : فإن الله قد جعله فى غيركم ، فى أقل منكم عددا ، وأضيق منكم بلدا ، وهى رحمة الله عزوجل يضعها حيث يشاء (١).
وفى الصحيح من الحديث أن هرقل لما تحقق أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بما كان يجده فيما عندهم من العلم أذن لعظماء الروم فى دسكرة له بحمص ، وأمر بالأبواب فغلقت ، ثم طلع عليهم ، فقال : يا معشر الروم ، هل لكم فى الفلاح والرشد ، وأن يثبت لكم ملككم ، وأن تتبعوا ما قال عيسى ابن مريم؟ قالوا : وما ذاك أيها الملك؟ قال : تتبعون هذا النبيّ العربى. قال : فحاصوا حيصة حمر الوحش واستجالوا فى الكنيسة وتناخروا ، ورفعوا الصلب ، وابتدروا الأبواب ، فوجدوها مغلقة ، فلما رأى هرقل ما رأى يئس من إسلامهم وخافهم على ملكه ، فقال : ردوهم على ، فردوهم ، فقال : إنما قلت لكم ما قلت لأخبر كيف صلابتكم فى دينكم ، فقد رأيت منكم الذي أحب ، فسجدوا له ورضوا عنه ، فكان ذلك آخر شأنهم(٢).
ويروى أن قيصر لما انتهى مع قومه إلى ما ذكر ، ويئس من إجابتهم كتب مع دحية جواب كتابه الذي جاءه به ، يقول فيه للنبى صلىاللهعليهوسلم : إنى مسلم ، ولكنى مغلوب على أمرى.
وأرسل إليه بهدية ، فلما قرأ رسول الله صلىاللهعليهوسلم كتابه قال : «كذب عدو الله ، ليس بمسلم ، بل هو على نصرانيته» ، وقبل هديته ، وقسمها بين المسلمين.
وقال دحية فى قدومه :
ألا هل أتاها على نأيها |
|
بأنى قدمت على قيصر |
فقررته بصلاة المسيح |
|
وكانت من الجوهر الأحمر |
وتدبير ربك أمر السما |
|
ء والأرض فأغضى ولم ينكر |
وقلت تفز ببشرى المسيح |
|
فقال سأنظر قلت انظر |
فكاد يقر بأمر الرسول |
|
فمال إلى البدل الأعور |
فشك وجاشت له نفسه |
|
وجاشت نفوس بنى الأصفر |
على وضعه بيديه الكتاب |
|
على الرأس والعين والمنخر |
فأصبح قيصر فى أمره |
|
بمنزلة الفرس الأشقر |
__________________
(١) انظر : التخريج السابق.
(٢) انظر : التخريج السابق.