وبين واقف ينظر ما تصنع أنت وعدوك ، قد قدم رجلا وأخر رجلا (١).
وفى كتاب الواقدى من قول عمر لأبى بكر : وإنما شحت العرب على أموالها ، وأنت لا تصنع بتفريق العرب عنك شيئا ، فلو تركت للناس صدقة هذه السنة.
وقدم على أبى بكر عيينة بن حصن الفزارى ، والأقرع بن حابس ، فى رجال من أشراف العرب ، فدخلوا على رجال من المهاجرين ، فقالوا : إنه قد ارتد عامة من وراءنا عن الإسلام ، وليس فى أنفسهم أن يؤدوا إليكم من أموالهم ما كانوا يؤدون إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فإن تجعلوا لنا جعلا نرجع فنكفيكم من وراءنا ؛ فدخل المهاجرون والأنصار على أبى بكر ، فعرضوا عليه الذي عرضوا عليهم ، وقالوا : نرى أن تطعم الأقرع وعيينة طعمة يرضيان بها ويكفيانك من وراءهما ، حتى يرجع إليك أسامة وجيشه ، ويشتد أمرك ، فإنا اليوم قليل فى كثير ، ولا طاقة لنا بقتال العرب ، قال أبو بكر : هل ترون غير ذلك؟ قالوا : لا ؛ قال أبو بكر : إنكم قد علمتم أنه كان من عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، إليكم المشورة فيما لم يمض فيه أمر من نبيكم ولا نزل به الكتاب عليكم ، وأن الله لن يجمعكم على ضلالة ، وإنى سأشير عليكم ، فإنما أنا رجل منكم ، تنظرون فيما أشير به عليكم وفيما أشرتم به ، فتجتمعون على أرشد ذلك ، فإن الله يوفقكم ، وأما أنا فأرى أن ننبذ إلى عدونا ، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ، وأن لا نرشو على الإسلام أحدا ، وأن نتأسى برسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فنجاهد عدوه كما جاهدهم ، والله لو منعونى عقالا لرأيت أن أجاهدهم عليه حتى آخذه ، فائتمروا يرشدكم الله ، فهذا رأيى ؛ وأما قدوم عيينة وأصحابه إليكم ، فهذا أمر لم يغب عنه عيينة ، هو راضه ثم جاء له ولو رأوا ذباب السيف لعادوا إلى ما خرجوا منه أو أفناهم السيف فإلى النار ، قتلناهم على حق منعوه وكفر. فبان للناس وجه أمرهم ، وقالوا لأبى بكر لما سمعوا رأيه : أنت أفضلنا رأيا ، ورأينا لرأيك تبع. فأمر أبو بكر الناس بالتجهز ، وأجمع على المسير بنفسه لقتال أهل الردة.
وكانت أسد وغطفان من أهل الضاحية قد ارتدت ، ولم ترتد عبس ولا بعض أشجع ، وارتدت عامة بنى تميم وطوائف من بنى سليم : عصية وعميرة وخفاف ، وبنو عوف بن امرئ القيس ، وذكوان ، وبنو جارية ، وارتد أهل اليمامة (٢) كلهم ، وأهل البحرين (٣) ،
__________________
(١) انظر : غزوات ابن حبيش (١ / ٢٢).
(٢) راجع قصة ارتداد أهل اليمامة فى : المنتظم لابن الجوزى (٤ / ٧٩ ـ ٨٣) ، تاريخ الطبرى (٣ / ٢٨٠ ، ٢٨١).
(٣) راجع قصة أهل البحرين فى : المنتظم لابن الجوزى (٤ / ٨٣ ـ ٨٥).