ظلها وطوى بساط عزها ومجدها سنة الله فى خلقه (ولن تجد لسنة الله تبديلا) حتى لم تبق فى يدها الا بلادها ومنبت ارومتها اليمن بل لم تحتفظ بها كل الحفظ لتفرق كلمتها وصدع وحدتها بانفجار براكين الفتن الداخلية بين اقيالها وامرائها واستقل كل قيل ببلاده وما قدر على الدفاع عنه وتشعبت الى ثلاثة طوائق فطائفة اعتنقت اليهودية وطائفة النصرانية والثالثة بقيت على عبادة الاوثان والنجوم فتغلبت اليهودية على النصرانية واستبدت بها وخدت لها اخدودا فى مخلاف نجران اشعلت فيه النيران المتأججة وكل من لم يرجع الى اليهودية يلقى فى النار كما قصه الله تعالى فى كتابه العزيز فهرب القيل دوس ذو ثعلبة الى ملك المروم ومعه نسخة من الانجيل محرقة مستنجدا به على ذى نواس ملك اليهود وقص عليه ما فعله بالنصارى والقائهم فى النار احياء وكان ملك الروم نصرانيا فاستفزه الغضب الا انه استبعد اليمن فقال له اكتب لك الى النجاشى ملك الحبشة فانه على دينى ينصرك وبلاده قريبة من بلادك فكتب قيصر الى النجاشى يستنهضه لنصرة المسيحيين باليمن وارفقه بالانجيل المحرق واخبره بما فعلت اليهود بهم من العسف والوحشية فلما وصل الكتاب والانجيل الى النجاشى اشتد غضبه وفى الحال انجد القيل دوس بسبعين الف مقاتل وأمر عليهم رجلا اسمه ارياط وايده بابرهة فقطعوا باب المندب الى اليمن ولما علم بهم ذو نواسن استنفر جميع اقيال اليمن يدعوهم الى الاتحاد لقتال العدو المشترك والى الدفاع عن وطنهم والذود عن شرفهم فلم يجيبوه الى ذلك لتفرقهم فى الاديان والمعتقدات وقالوا كل رجل منا يقاتل عن بلاده التى هى فى حوزته فلما تحقق خذلانهم وعدم اتحادهم أبت نفسه العالية الانصياع للذل والاستعباد بعد ان كان الآمر الناهى فقابل جموع الحبشة بمن أطاعه من قومه وخاصته فلم تثبت قلتهم أمام جيش الحبشة الجرار فولت منهزمة ولما أيقن ذو نواس بالأسر وأن لا عز له فى الحياة اعترض فرسه فكان العهد به ثم قام بعده ذو جدن وجمع فلول الجيش لصد الحبشة فلم يحد نفعا فاقتحم البحر بفرسه وهلك
ودخلت الحبشة صنعاء وهرب ذو يزن مستنجدا بقيصر ولم يدر أنه هو السبب الحامل للحبشة على احتلال بلاده وامتلاك ارضه
فلم ينجده فولى وجهه الى كسرى ملك الفرس وعرج فى طريقه على أخيه فى العروبة والنطق بالضاد ملك الحيرة النعمان بن المنذر ولان ملوك الحيرة بعد انحلال الدولة التبعية صاروا مواليين لملوك الفرس بحكم الجوار وعدم القدرة على الاستقلال التام فعرفه