قال أبو سعيد : اعلم أن التصغير في الجملة إنما هو تقليل شيء وتحقيره ، وهو يتصرف على وجوه منها أن تصغر الاسم العلم فيكون ذلك دلالة على تصغير مبهم فيه لا يعرف ذلك المعنى الذي ذلك التحقير فيه ، كقولك : (زييد) و (عمير) و (بكير) في تصغير (زيد) و (عمرو) و (بكر).
ومنها أن تصغر صفة قد استحقها لمعنى فيدل ذلك على تقليل ذلك المعنى وتحقيره كقولك في تصغير (بزّاز) و (عطّار) : (بزيزيز) و (عطيطير) فيكون تقليلا لصنعتهما في (البزّ) و (العطر) أي ليسا بكاملين في الصنعتين وإن كانا فاضلين في أشياء غير ذلك.
وفي (أصفر) و (أحمر) و (أسود) : (أصيفر) و (أحيمر) ، و (أسيّد) أي ليست هذه الألوان بالتامة فيهم ، كأنه قد قارب السواد والحمرة والصفرة وليس بالكامل.
ومنها أن يكون اسم مكان يقع على ما لا نهاية له فيكون التصغير فيه يقربه مما يضاف إليه كقولك : (زيد فوق عمرو ودون عمرو وقبل عمرو وبعد عمرو) ويجوز أن يكون ذلك تكثيرا ويجوز أن يكون تقليلا فإذا صغرت صار تقليلا ألا ترى أن قائلا لو قال : آتيك بعد الأضحى ، فأتاه بعد شهرين وثلاثة وسنة وسنين لم يكن مخلفا لوعده. فإذا قال : آتيك بعيد الأضحى وتركه سنة لكان مخلفا. ولو قال السّماء فوقنا كان صادقا ، ولو قال : السّماء فويقنا كان كاذبا ولا يكون هذا إلا لما قرب.
وتصغر (مثل) تقول : هذا (مثيل) هذا أي المماثلة بينهما قليلة وقالت العرب : (ما أميلح زيدا).
كقول الشاعر :
يا ما أميلح غزلانا شدنّ لنا |
|
من هؤليّائكنّ تكنّ الضّال والسّمر (١) |
فصغروا الفعل ، لأن قولك : ما أملح زيدا" أملح" فعل" و" زيدا" مفعول به ولا خلاف بين النحويين أن الفعل في غير التعجب لا يصغر ومما يبعد تصغير الفعل أن اسم الفاعل إذا صغرناه بطل أن يعمل فيما بعده.
تقول : (هذا ضارب زيدا) فإذا صغرت (ضاربا) لم تقل هذا (ضويرب) زيدا ، لأن التصغير يخرجه عن مذهب الفعل فلا يعمل. فتصغير" أميلح" وهو فعل شاذ خارج عن القياس وفي جوازه ثلاثة أوجه أحدها أن التصغير كان حقه أن يكون لاحقا لفاعل أملح
__________________
(١) البيت في ابن يعيش ١ / ٦١ ، والمخصص ١٤ / ١٠١ ، ومغني اللبيب ٦٨٣.