الحروف التي في الكلمة ، والحروف في الكلمة إذا قطعت كل حرف منها مبني ؛ لأن الإعراب إنما يقع على الاسم بكماله ، فإذا قصدنا إلى كل حرف منها بيناه. وهذه الحروف التي ذكرناها من (الباء) إلى (الفاء) إذا بيناها فكل واحد منها على حرفين ؛ الثاني منهما ألف فهي بمنزلة" لا" و" ما" إذا احتجنا إلى جعلها أسماء وتدخلها الألف واللام ، فتتعرف وتخرج منها فتنكر.
وما مضى من الحروف نحو (ليت) و (لو) لا تدخلها ألف ولام ، فجعل سيبويه حروف التهجي نكرات ، إلا أن تدخل عليها الألف واللام ، فجرين مجرى ابن مخاض وابن لبون في التنكير ، وجعل (لو) و (ليت) معارف ، فجرين مجرى سام أبرص وأم حبين ؛ لأنهن مشتركات في الامتناع من دخول الألف واللام ، والفرق بينهما أن الباء قد توجد في الأسماء كثيرة فيكون حكمها وموضعها في كل واحد من الأسماء على خلاف حكمها في الآخر.
كقولنا : (بكر) و (ضرب) و (حبر) ، وغير ذلك من الأسماء والأفعال والحروف ، فلما كثرت مواضعها واختلفت سار كل واحد منها نكرة.
وأما (ليت) و (لو) وما أشبه ذلك فهن لوازم في موضع واحد ومعنى واحد ، وما استعمل منها في أكثر من موضع فليس ذلك بالشائع الكثير ومواضعه تتقارب ، فتصير كالمعنى الواحد.
ومثل ذلك أسماء العدد ، إذا عددت ، فقلت : (واحد) (اثنان) (ثلاثة) (أربعة) بنيتها ؛ لأنك لست تخبر عنها بخبر تأتي به ، وإنما تجعله في العبارة عن كل واحد من الجمع الذي تحدده ، كالعبارة عن كل واحد من حروف الكلمة إذا قطعتها.
وذكر سيبويه أنه يقال : واحد ، اثنان ؛ فتشم الواحد الضّم وإن كان مبنيا ، لأنه متمكن في الأصل.
وما كان متمكنا إذا صار في موضع غير متمكن ، جعل له فضيلة على ما لم يكن متمكنا قط.
قال : " وزعم من يوثق به أنه سمع من العرب : " ثلاثة اربعة ، فطرح همزة أربعة على الهاء من ثلاثة ، ولم يحولها تاء مع التحريك ، ومثل ذلك قوله :
به خرجت من عند زياد كالخرف