وإليانا ، كما تقول : أكرم يكرم إكراما ، غير أنك لمّا أعللت الواو والياء في الفعل أعللتهما في المصدر ، فألقيت حركتهما على ما قبلهما فسكنتا وبعدهما ألف إفعال وهي الألف التي في الإقوام والإليان قبل الميم والنون فاجتمع ساكنان : أحدهما عين الفعل المعتلة ، والآخر ألف إفعال ، فأسقط أحدهما وجعلت هاء التأنيث عوضا من الحرف الذاهب فقالوا : إقامة وإلانة.
وكذلك يعمل في استفعل ومصدره كقولك : استعان يستعين استعانة ، واستلان يستلين استلانة ، والأصل استعون يستعون استعوانا ، واستلين يستلين استليانا ، فاختلف النحويون في الذاهب من الحرفين لاجتماع الساكنين ، فقال الخليل وسيبويه : الذاهب هو الساكن الثاني ؛ لأن الساكن الثاني زائد والأول أصلي ، وإسقاط الزائد أولى. وقال الأخفش والفراء : الذاهب هو الأول ؛ لأن حق اجتماع الساكنين أن يسقط الأول منهما ، وقد أحكمنا الاحتجاج لهذا في التصريف.
وقد أجاز سيبويه ألا تدخل الهاء عوضا ، واحتج بقوله عزوجل : (وَأَقامَ الصَّلاةَ ،) ولم يفصل بين ما كان مضافا وغير مضاف ، وذكر الفراء أن الهاء لا تسقط إلا مما كان مضافا ، فالإضافة عوض منها ، وأنشد :
إنّ الخليط أجدّوا البين فانجردوا |
|
وأخلفوك عد الأمر الذي وعدوا (١) |
وذكر أن الأصل : عدة الأمر والهاء سقطت للإضافة وأن ذلك لا يجوز في غير الإضافة ، وقال خالد بن كلثوم : عد الأمر ، جمع عدوة ، والعدوة : الناحية والجانب من قوله عزوجل : (إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى)(٢) وإنما أراد الشاعر نواحي الأمر وجوانبه ، فأجاز سيبويه أقمته إقاما ولم يجزه الفراء. وأما قوله : " أريته إراءة" فليس من هذا الباب ؛ لأنه لم يعتل عين الفعل فيه ، ولكنه دخله النقص لتليين الهمزة ، فعوّض الهاء والأصل أرأيته إرءاء ، كما تقول : أرعيته إرعاعا ، فخفّفت الهمزة في المصدر كما خففت في الفعل بأن ألقيت حركتها على الراء وأسقطت فجعلت الهاء عوضا من ذلك ، وإذا كان الفعل على انفعل وافتعل وعين الفعل واو أو ياء فإنه لا يسقط من مصدره شيء ؛ لأنه لا يلتقي فيه ساكنان ، ولا تلزمه الهاء ؛ لأنه لم يسقط منه شيء تكون الهاء عوضا منه ،
__________________
(١) انظر الخصائص : ٣ / ١٧١ ، والمخصص : ١٤ / ١٨٧ ـ ١٨٨ ، وانظر شرح شواهد الشافية ص : ٦٥.
(٢) سورة الأنفال ، الآية : ٤٢.