مراده وشرح يسير لبعض ما لم أذكره هناك.
قال سيبويه : " فهذه الحروف ، وأشباهها لما كانت مبهمة وغير متمكنة شبهت بالأصوات وما ليس باسم ولا ظرف.
فإذ التقى في آخر شيء منها حرفان ساكنان حركوا الآخر منهما وإن كان الحرف الذي قبل الأخير متحركا أسكنوه كما قالوا : هل ، وبل ، وأجل ، ونعم ، وقالوا : جير ، فحركوه لئلا يسكن حرفان.
فإن قال قائل : لم كسروا جير ، وقد فتحوا أين وكيف؟ ففي ذلك جوابان : أحدهما أن" جير" جاء على قياس اجتماع الساكنين في الأصل وهو موجب للكسر.
والجواب الثاني أن" جير" قد يحلف به ، فيقال : جير لأفعلن فيقع موقع الاسم المحلوف به ، وهو مفتوح كقولك : الله لأفعلن ، فحركوه بحركة للبناء غير حركة الإعراب لو أعرب.
قال : ويدلك على أن" قبل" و" بعد" غير متمكنين أنه لا يكون فيهما مفردين ما يكون فيهما مضافين. لا تقول : هذا قبل كما تقول : هذا قبل القيامة.
اعلم أن" قبل" ، و" بعد" يكونان خبرين للجثث وغيرها إذا كانا مضافين كقولك : زيد قبل عمرو ، وبعد عمرو ، والقتال قبل يوم الجمعة وبعد يوم الجمعة ، فإذا حذفت ما أضفتهما إليه لم يجز أن يكونا خبرين.
لا تقل : زيد قبل ، والقتال بعد ، وإن لم أر أحدا من أصحابنا اعتل لهذا بشيء يقنع.
وقد حكاه سيبويه ولا أعلم له مخالفا ، ورأيت من احتج فقال لأنه لا فائدة فيه ؛ لأن الفائدة في التوقيت بما قد أضيف إليه في غير الخبر.
والصلة في ذلك عندي أن" قبل" و" بعد" إذا كانا خبرين فقد حذف من الكلام ما يعمل في الظرف كقولنا : زيد قبل عمرو ، فالتقدير فيه استقر قبل عمرو ، فإذا حذفنا المضاف إليه فقد حذفنا ما قبله في التقدير وما بعده فصار ذلك إجحافا فاجتنبوه.
قال : وجزمت" لدن" ولم تجعل ك" عند" لأنها لا تقع في جميع مواضع" عند" فضعفت.
وذلك أن" عند" اتسعوا فيها فقالوا : عندي مال وإن كان غائبا ، ولا يقولون ذلك في" لدن" فجعلت بمنزلة" قط" إذا أردت ليس إلا. وحسب في البناء مثل قط ، إلا أنهم