وحفظهم من أسباب الموتان ، ويسّر لنسلهم اليفاعة حتّى كثرت مواليدهم وقلّت وفياتهم ، فصاروا عددا كثيرا في زمن لا يعهد في مثله مصير أمّة إلى عددهم ، فيعد منعهم النّاس من الدّخول في دين الله سعيا في تقليل حزب الله ، وذلك كفران لنعمة الله عليهم بأنّ كثّرهم ، وليقابلوا اعتبار هذه النّعمة باعتبار نقمته تعالى من الذين غضب عليهم ، إذ استأصلهم بعد أن كانوا كثيرا فذلك من تمايز الأشياء بأضدادها.
فلذلك أعقبه بقوله : (وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ). وفي هذا الكلام جمع بين طريقي التّرغيب والتّرهيب.
وقليل وصف يلزم الإفراد والتّذكير ، مثل كثير ، وقد تقدّم ذلك عند قوله تعالى : (وَكَأَيِّنْ مِنْ) نبيء (قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ) في سورة آل عمران [١٤٦].
والمراد ب (الْمُفْسِدِينَ) الذين أفسدوا أنفسهم بعقيدة الشّرك وبأعمال الضّلال ، وأفسدوا المجتمع بمخالفة الشّرائع ، وأفسدوا النّاس بإمدادهم بالضّلال وصدّهم عن الهدى ، ولذلك لم يؤت : ل (الْمُفْسِدِينَ) بمتعلّق لأنّه اعتبر صفة ، وقطع عن مشابهة الفعل ، أي الذين عرفوا بالإفساد. وهذا الخطاب مقصود منه الكافرون من قومه ابتداء ، وفيه تذكير للمؤمنين منهم بنعمة الله ، فإنّها تشملهم وبالاعتبار بمن مضوا فإنّه ينفعهم ، وفي هذا الكلام تعريض بالوعد للمسلمين وبالتّسلية لهم على ما يلاقونه من مفسدي أهل الشّرك لانطباق حال الفريقين على حال الفريقين من قوم شعيب عليهالسلام.
و (إذ) في قوله : (إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً) اسم زمان ، غير ظرف فهو في محل المفعول به أي اذكروا زمان كنتم قليلا فأعقبه بأن كثّركم في مدّة قريبة.
والطائفة الجماعة ذات العدد الكثير وتقدّمت عند قوله تعالى : (فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ) في سورة النّساء [١٠٢].
والشّرط في قوله : (وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ) أفاد تعليق حصول مضمون الجزاء في المستقبل ، أعني ما تضمّنه الوعيد للكافرين به والوعد للمؤمنين ، على تحقّق حصول مضمون فعل الشّرط ، لا على ترقّب حصول مضمونه ، لأنّه معلوم الحصول ، فالماضي الواقع فعلا للشّرط هنا ماض حقيقي وليس مؤولا بالمستقبل ، كما هو الغالب في وقوع الماضي في سياق الشّرط بقرينة كونه معلوم الحصول ، وبقرينة النّفي بلم المعطوف على