الذي سيق الكلام لأجله ، ولكن لما صدّر الأمر بخطاب جميع البشر وكان فيهم من لا يؤمن بالله ، وفيهم من يؤمن بالله ولا يؤمن بالنبيء الأمّي ، جمع بين الإيمان بالله والإيمان بالنبيء الأمي في طلب واحد ، ليكون هذا الطلب متوجها للفرق كلهم ، ليجمعوا في إيمانهم بين الإيمان بالله والنبي الأمي ، مع قضاء حق التأدب مع الله بجعل الإيمان به مقدما على طلب الإيمان بالرسول صلىاللهعليهوسلم للإشارة إلى أن الإيمان بالرسول إنما هو لأجل الإيمان بالله ، على نحو ما أشار إليه قوله تعالى : (وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ) [النساء : ١٥٠] ، وهذا الأسلوب نظير قوله تعالى : (إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ، فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ) [النساء : ١٧١] فإنهم آمنوا بالله ورسله ، وإنما المقصود زيادة النهي عن اعتقاد التثليث ، وهو المقصود من سياق الكلام.
والإيمان بالله الإيمان بأعظم صفاته وهي الإلهية المتضمن إياها اسم الذات ، والإيمان بالرسول الإيمان بأخص صفاته وهو الرسالة ، وذلك معلوم من إناطة الإيمان بوصف الرسول دون اسمه العلم.
وفي قوله : (وَرَسُولِهِ) النبي (الْأُمِّيِ) التفات من التكلم إلى الغيبة لقصد إعلان تحقق الصفة الموعود بها في التوراة في شخص محمد صلىاللهعليهوسلم.
ووصف النبي الأمي بالذي يؤمن بالله وكلماته ، بطريق الموصولية للإيماء إلى وجه الأمر بالإيمان بالرسول ، وإنه لا معذرة لمن لا يؤمن به من أهل الكتاب ، لأن هذا الرسول يؤمن بالله وبكلمات الله ، فقد اندرج في الإيمان به الإيمان بسائر الأديان الإلهية الحق ، وهذا نظير قوله تعالى ، في تفضيل المسلمين : (وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ) [آل عمران : ١١٩] وتقدم معنى الأمي قريبا.
وكلمات جمع كلمة بمعنى الكلام مثل قوله تعالى : (كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها) [المؤمنون : ١٠٠] أي قوله : (رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ) [المؤمنون : ٩٩ ، ١٠٠]. فكلمات الله تشمل كتبه ووحيه للرسل ، وأوثر هنا التعبير بكلماته ، دون كتبه ، لأن المقصود الإيماء إلى إيمان الرسول عليه الصلاة والسلام بأن عيسى كلمة الله ، أي أثر كلمته ، وهي أمر التكوين ، إذ كان تكوّن عيسى عن غير سبب التكون المعتاد بل كان تكونه بقول الله (كُنْ) كما قال تعالى : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [آل عمران : ٥٩] ، فاقتضى أن الرسول عليه الصلاة والسلام يؤمن بعيسى ، أي