ويقدح في قياسهم أن بين دعوى الزنى على المرأة وبين السب بألفاظ فيها نسبة إلى الزنا فرقا بينا عند الفقيه. وتسمية القرآن أيمان اللعان شهادة يومئ إلى أنها لرد دعوى وشرط ترتب الآثار على الدعوى أن تكون محققة فقول مالك أرجح من قول الجمهور لأنه أغوص على الحقيقة الشرعية.
وقوله : (فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللهِ) إلخ لما تعذر على الأزواج الفاء الشهادة في مثل هذا الحال وعذرهم الله في الادعاء بذلك ولم يترك الأمر سبهللا ولا ترك النساء مضغة في أفواه من يريدون التشهير بهن من أزواجهن لشقاق أو غيظ مفرط أو حماقة كلف الأزواج شهادة لا تعسر عليهم إن كانوا صادقين فيما يدعون فأوجب عليهم الحلف بالله أربع مرات لتقوم الأيمان مقام الشهود الأربعة المفروضين للزنا في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ) [النور : ٤] إلخ.
وسمي اليمين شهادة لأنه بدل منها فهو مجاز بعلاقة الحلول الاعتباري ، وأن صيغة الشهادة تستعمل في الحلف كثيرا وهنا جعلت بدلا من الشهادة فكأن المدعي أخرج من نفسه أربعة شهود هي تلك الأيمان الأربع.
ومعنى كون الأيمان بدلا من الشهادة أنها قائمة مقامها للعذر الذي ذكرناه آنفا ؛ فلا تأخذ جميع أحكام الشهادة ، ولا يتوهم أن لا تقبل أيمان اللعان إلا من عدل فلو كان فاسقا لم يلتعن ولم يحد حد القذف بل كل من صحت يمينه صح لعانه وهذا قول مالك والشافعي ، واشترط أبو حنيفة الحرية وحجته في ذلك إلحاق اللعان بالشهادة لأن الله سماه شهادة.
ولأجل المحافظة على هذه البدلية اشترط أن تكون أيمان اللعان بصيغة : «أشهد بالله» عند الأئمة الأربعة. وأما ما بعد صيغة (أشهد) فيكون كاليمين على حسب الدعوى التي حلف عليها بلفظ لا احتمال فيه.
وقوله : (فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ) قرأه الجمهور بنصب (أَرْبَعُ) على أنه مفعول مطلق لشهادة فيكون (فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ) محذوف الخبر دل عليه معنى الشرطية الذي في الموصول واقتران الفاء بخبره ، والتقدير : فشهادة أحدهم لازمة له. ويجوز أن يكون الخبر قوله : (إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) على حكاية اللفظ مثل قولهم : «هجّيرا أبي بكر لا إله إلا الله». وقرأه حمزة والكسائي وحفص وخلف برفع (أَرْبَعُ) على أنه خبر المبتدأ وجملة (إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) إلى آخرها بدل من (فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ). ولا خلاف بين القراء