العربي في «أحكام القرآن» قال جماعة : الاستئذان فرض والسلام مستحب. وروي عن عطاء : الاستئذان واجب على كل محتلم. ولم يفصح عن حكم الاستئذان سوى فقهاء المالكية. قال الشيخ أبو محمد في «الرسالة» : الاستئذان واجب فلا تدخل بيتا فيه أحد حتى تستأذن ثلاثا فإن أذن لك وإلا رجعت. وقال ابن رشد في «المقدمات» : الاستئذان واجب. وحكى أبو الحسن المالكي في «شرح الرسالة» الإجماع على وجوب الاستئذان. وقال النووي في «شرح صحيح مسلم» : الاستئذان مشروع. وهي كلمة المازري في «شرح مسلم».
وأقول : ليس قرن الاستئذان بالسلام في الآية بمقتض مساواتهما في الحكم إذا كانت هنالك أدلة أخرى تفرق بين حكميهما وتلك أدلة من السنة ، ومن المعنى فإن فائدة الاستئذان دفع ما يكره عن المطروق المزور وقطع أسباب الإنكار أو الشتم أو الإغلاظ في القول مع سد ذرائع الريب وكلها أو مجموعها يقتضي وجوب الاستئذان.
وأما فائدة السلام مع الاستئذان فهي تقوية الألفة المتقررة فلا تقتضي أكثر من تأكد الاستحباب. فالقرآن أمر بالحالة الكاملة وأحال تفصيل أجزائها على تبيين السنة كما قال تعالى : (لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) [النحل : ٤٤].
وقد أجملت حكمة الاستئذان في قوله تعالى : (ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) أي ذلكم الاستئذان خير لكم ، أي فيه خير لكم ونفع فإذا تدبرتم علمتم ما فيه من خير لكم كما هو المرجو منكم.
وقد جمعت الآية الاستئذان والسلام بواو العطف المفيد التشريك فقط فدلت على أنه إن قدم الاستئذان على السلام أو قدم السلام على الاستئذان فقد جاء بالمطلوب منه ، وورد في أحاديث كثيرة الأمر بتقديم السلام على الاستئذان فيكون ذلك أولى ولا يعارض الآية.
وليس للاستئذان صيغة معينة. وما ورد في بعض الآثار فإنما محمله على أنه المتعارف بينهم أو على أنه كلام أجمع من غيره في المراد. وقد بينت السنة أن المستأذن إن لم يؤذن له بالدخول يكرره ثلاث مرات فإذا لم يؤذن له انصرف.
وورد في هذا حديث أبي موسى الأشعري مع عمر بن الخطاب في «صحيح البخاري» وهو ما روي : «عن أبي سعيد الخدري قال : كنت في مجلس من مجالس الأنصار إذ جاء أبو موسى الأشعري كأنه مذعور قال : استأذنت على عمر ثلاثا فلم يأذن لي فرجعت (وفسره في رواية أخرى بأن عمر كان مشتغلا ببعض أمره ثم تذكر فقال : ألم