والداعي إلى ذكر القيد تشنيع حالة البغاء في الإسلام بأنه عن إكراه وعن منع من التحصن. ففي ذكر القيدين إيماء إلى حكمة تحريمه وفساده وخباثة الاكتساب به.
وذكر (إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً) لحالة الإكراه إذ إكراههم إياهن لا يتصور إلا وهن يأبين وغالب الإباء أن يكون عن إرادة التحصن. هذا تأويل الجمهور ورجعوا في الحامل على التأويل إلى حصول إجماع الأمة على حرمة البغاء سواء كان الإجماع لهذه الآية أو بدليل آخر انعقد الإجماع على مقتضاه فلا نزاع في أن الإجماع على تحريم البغاء ولكن النظر في أن تحريمه هل كان بهذه الآية.
وأنا أقول : إن ذكر الإكراه جرى على النظر لحال القضية التي كانت سبب النزول.
والذي يظهر من كلام ابن العربي أنه قد نحا بعض العلماء إلى اعتبار الشرط في الآية دليلا على تحريم الإكراه على البغاء بقيد إرادة الإماء التحصن. فقد تكون الآية توطئة لتحريم البغاء تحريما باتا. فحرم على المسلمين أن يكرهوا إماءهم على البغاء لأن الإماء المسلمات يكرهن ذلك ولا فائدة لهن فيه ، ثم لم يلبث أن حرم تحريما مطلقا كما دل عليه حديث أبي مسعود الأنصاري أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم نهى عن مهر البغيّ ، فإن النهي عن أكله يقتضي إبطال البغاء.
وقد يكون هذا الاحتمال معضودا بقوله تعالى بعده : (وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ) كما يأتي.
وفي «تفسير الأصفهاني» (١) : «وقيل إنما جاء النهي عن الإكراه لا عن البغاء لأن حد الزنا نزل بعد هذا». وهذا يقتضي أن صاحب هذا القول يجعل أول السورة نزل بعد هذه الآيات ولا يعرف هذا.
وقوله : (لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا) متعلق ب (تُكْرِهُوا) أي لا تكرهوهن لهذه العلة. ذكر هذه العلة لزيادة التبشيع كذكر (إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً).
و (عَرَضَ الْحَياةِ) هو الأجر الذي يكتسبه الموالي من إمائهم وهو ما يسمى بالمهر أيضا.
وأما قوله : (وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فهو صريح في أنه
__________________
(١) شمس الدين محمود بن عبد الرحمن الشافعي المتوفى سنة / ٧٤٩ / ه.