يوجد في أصل الدين ما يقتضي النهي عنها فكانت في قسم المباح ، فلما انضم إلى إباحة اتخاذها نية العون على العبادة صارت مرضية لله تعالى. وهذا كقوله تعالى : (وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ) [الحديد : ٢٧]. وقد كان اجتهاد أحبار الدين في النصرانية وإلهامهم دلائل تشريع لهم كما تقتضيه نصوص من الإنجيل. والمقصد من ذكر هذا على هذه الوجوه زيادة إيضاح المشبه به كقول النبي صلىاللهعليهوسلم في صفة جهنم : «فإذا لها كلاليب مثل حسك السّعدان هل رأيتم حسك السّعدان؟». وفيه مع ذلك تحسين المشبه به ليسري ذلك إلى تحسين المشبه كما في قول كعب بن زهير :
شجت بذي شبم من ماء محنية |
|
صاف بأبطح أضحى وهو مشمول |
تنفي الرياح القذى عنه وأفرطه |
|
من صوب سارية بيض يعاليل |
لأن ما ذكر من وصف البيوت وما يجري فيها مما يكسبها حسنا في نفوس المؤمنين.
وتخصيص التسبيح بالرجال لأن الرهبان كانوا رجالا.
وأريد بالرجال الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله : الرهبان الذين انقطعوا للعبادة وتركوا الشغل بأمور الدنيا ، فيكون معنى : (لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ) : أنهم لا تجارة لهم ولا بيع من شأنهما أن يلهياهم عن ذكر الله ، فهو من باب : على لاحب لا يهتدى بمناره.
والثناء عليهم يومئذ لأنهم كانوا على إيمان صحيح إذ لم تبلغهم يومئذ دعوة الإسلام ولم تبلغهم إلا بفتوح مشارف الشام بعد غزوة تبوك ، وأما كتاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى هرقل فإنه لم يذع في العامة. وكان الرهبان يتركون الكوى مفتوحة ليظهر ضوء صوامعهم وقد كان العرب يعرفون صوامع الرهبان وأضواءها في الليل. قال امرؤ القيس :
تضيء الظلام بالعشيّ كأنها |
|
منارة ممسى راهب متبتل |
وقال أيضا :
يضيء سناه أو مصابيح راهب |
|
أمال السليط بالذبال المفتل |
السليط : الزيت. أي صب الزيت على الذبال فهو في تلك الحالة أكثر إضاءة. وكانوا يهتدون بها في أسفارهم ليلا. قال امرؤ القيس :
سموت إليها والنجوم كأنها |
|
مصابيح رهبان تشب لقفّال |