وجملة : (لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً) حال من ضمير الرفع في (يَعْبُدُونَنِي) تقييدا للعبادة بهذه الحالة لأن المشركين قد يعبدون الله ولكنهم يشركون معه غيره. وفي هاتين الجملتين ما يؤيد ما قدمناه آنفا من كون الإيمان هو الشريطة في كفالة الله للأمة هذا الوعد.
وجملة : (وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) تحذير بعد البشارة على عادة القرآن في تعقيب البشارة بالنذارة والعكس دفعا للاتكال.
والإشارة في قوله : (بَعْدَ ذلِكَ) إلى الإيمان المعبر عنه هنا ب (يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً) والمعبر عنه في أول الآيات بقوله : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) ، أي ومن كفر بعد الإيمان وما حصل له من البشارة عليه فهم الفاسقون عن الحق.
وصيغة الحصر المأخوذة من تعريف المسند بلام الجنس مستعملة مبالغة للدلالة على أنه الفسق الكامل.
ووصف الفاسقين له رشيق الموقع ، لأن مادة الفسق تدل على الخروج من المكان من منفذ ضيق.
(وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٥٦))
عطف على جملة : (يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً) [النور : ٥٥] لما فيها من معنى الأمر بترك الشرك ، فكأنه قيل : اعبدوني ولا تشركوا وأقيموا الصلاة ، لأن الخبر إذا كان يتضمن معنى الأمر كان في قوة فعل الأمر حتى أنه قد يجزم جوابه كما في قوله تعالى : (تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ) إلى قوله : (يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) [الصفّ : ١١ ـ ١٢] بجزم (يَغْفِرْ) لأن قوله : (تُؤْمِنُونَ) في قوة أن يقول : آمنوا بالله.
والخطاب موجه للذين آمنوا خاصة بعد أن كان موجها لأمة الدعوة على حد قوله تعالى : (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ) [يوسف : ٢٩] ، فالطاعة المأمور بها هنا غير الطاعة التي في قوله : (قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا) [النور : ٥٤] إلخ لأن تلك دعوة للمعرضين وهذه ازدياد للمؤمنين.
وقد جمعت هذه الآية جميع الأعمال الصالحات فأهمها بالتصريح وسائرها بعموم حذف المتعلق بقوله : (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) أي في كل ما يأمركم وينهاكم.
ورتب على ذلك رجاء حصول الرحمة لهم ، أي في الدنيا بتحقيق الوعد الذي من