وقوله : (لَهُمْ) مقتضى الظاهر فيه أن يكون بعد قوله : (دِينَهُمُ) لأن المجرور بالحرف أضعف تعلقا من مفعول الفعل ، فقدم (لَهُمْ) عليه للإيماء إلى العناية بهم ، أي يكون التمكين لأجلهم ، كتقديم المجرور على المفعولين في قوله : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ) [الشرح : ١ ، ٢].
وإضافة الدين إلى ضميرهم لتشريفهم به لأنه دين الله كما دل عليه قوله عقبه : (الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ) ، أي الذي اختاره ليكون دينهم ، فيقتضي ذلك أنه اختارهم أيضا ليكونوا أتباع هذا الدين. وفيه إشارة إلى أن الموصوفين بهذه الصلة هم الذين ينشرون هذا الدين في الأمم لأنه دينهم فيكون تمكنه في الناس بواسطتهم.
وإنما قال : (وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً) ولم يقل : وليؤمننهم ، كما قال في سابقيه لأنهم ما كانوا يطمحون يومئذ إلا إلى الأمن ، كما ورد في حديث أبي العالية المتقدم آنفا ، فكانوا في حالة هي ضد الأمن ولو أعطوا الأمن دون أن يكونوا في حالة خوف لكان الأمن منة واحدة. وإضافة الخوف إلى ضميرهم للإشارة إلى أنه خوف معروف مقرر.
وتنكير (أَمْناً) للتعظيم بقرينة كونه مبدّلا من بعد خوفهم المعروف بالشدة. والمقصود : الأمن من أعدائهم المشركين والمنافقين. وفيه بشارة بأن الله مزيل الشرك والنفاق من الأمة. وليس هذا الوعد بمقتض أن لا تحدث حوادث خوف في الأمة في بعض الأقطار كالخوف الذي اعترى أهل المدينة من ثورة أهل مصر الذين قادهم الضالّ مالك الأشتر النخعي ، ومثل الخوف الذي حدث في المدينة يوم الحرّة وغير ذلك من الحوادث وإنما كانت تلك مسببات عن أسباب بشرية وإلى الله إيابهم وعلى الله حسابهم.
وقرأ الجمهور : (وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ) بفتح الموحدة وتشديد الدال. وقرأه ابن كثير وأبو بكر عن عاصم ويعقوب بسكون الموحدة وتخفيف الدال والمعنى واحد.
وجملة : (يَعْبُدُونَنِي) حال من ضمائر الغيبة المتقدمة ، أي هذا الوعد جرى في حال عبادتهم إياي. وفي هذه الحال إيذان بأن ذلك الوعد جزاء لهم ، أي وعدتهم هذا الوعد الشامل لهم والباقي في خلفهم لأنهم يعبدونني عبادة خالصة عن الإشراك.
وعبر بالمضارع لإفادة استمرارهم على ذلك تعريضا بالمنافقين إذ كانوا يؤمنون ثم ينقلبون.