أحدهما : أنه وعدهم النجاة إن آمنوا والهلاك إن كفروا ، فذكر لفظة بعض ؛ لأنهم على إحدى الحالتين لا محالة.
الثاني : أنه وعدهم على كفرهم الهلاك في الدنيا والعذاب في الآخرة ، وكان هلاكهم في الدّنيا بعضا ، فمراده يصيبكم في الدنيا بعض الذي يعدكم.
الرابع : أنه ذكر البعض بطريق التنزل والتلطف وإمحاض النصيحة من غير مبالغة ولا تأكيد ليسمعوا منه ولا يتّهموه ؛ فيردّوا عليه ، وينسبوه إلى ميل ومحاباة لموسى عليهالسلام ، كأنه قال : أقل ما يصيبكم البعض وفيه كفاية ، ونظيره قول الشاعر :
قد يدرك المتأنّي بعض حاجته |
|
وقد يكون من المستعجل الزّلل |
كأنه يقول أقل ما يكون في التأني إدراك بعض المطلوب ، وأقل ما يكون في الاستعجال الزلل ، فقد بان فضل التأني على العجلة بما لا يقدر الخصم على دفعه ورده. والوجه الرابع هو اختيار الزمخشري رحمة الله عليه.
[٩٦٤] فإن قيل : التّولي والإدبار واحد فما فائدة قوله تعالى : (يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ)؟ [غافر : ٣٣].
قلنا : هو تأكيد ، كقوله تعالى : (فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ) [النحل : ٢٦] ونظائره كثيرة.
الثاني : أنه استثارة لحميتهم واستجلاب لأنفتهم لما في لفظ «مدبرين» من التّعريض بذكر الدّبر ، فيصير نظير قوله تعالى : (وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) [القمر : ٤٥].
[٩٦٥] فإن قيل : ما فائدة التكرار في قوله تعالى : (لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ أَسْبابَ السَّماواتِ) [غافر : ٣٦ ، ٣٧] وهلّا قال : أبلغ أسباب السموات؟ أي أبوابها وطرقها.
قلنا : إذا أبهم الشيء ثم أوضح كان تفخيما لشأنه وتعظيما لمكانه ، فلما أراد تفخيم ما أمل بلوغه من أسباب السموات أبهمها ثم أوضحها.
[٩٦٦] فإن قيل : مثل السيئة سيئة فما معنى قوله تعالى : (مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها) [غافر : ٤٠]؟
قلنا : معناه أن جزاء السيئة له حساب وتقدير لا يزيد على المقدار المستحق ، فأمّا جزاء العمل الصالح فبغير تقدير حساب ، كما قال تعالى في آخر الآية.
[٩٦٧] فإن قيل : قوله تعالى : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) [الأنعام : ١٦٠] ينافي ذلك.
قلنا : ذلك لمنع النقصان لا لمنع الزيادة ، كما قال الله تعالى : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ) [يونس : ٢٦].