القرآنية في ذلك الموضوع ، ولو أن دراسة المستقبل في موضوع ما تبطل واقعة من وقائع العلم الحديث كليا أو جزئيا فليس هذا بضائر مطلقا صدق القرآن ، بل معناه أن المفسر أخطأ في محاولته لتفسير إشارة مجملة في القرآن ، وإنني لعلى يقين راسخ بأن الكشوف المقبلة سوف تكون أكثر إيضاحا لإشارات القرآن ، وأكثر بيانا لمعانيه الكامنة) (١).
ويبدأ بضرب بعض الأمثلة على إعجاز القرآن ، وسبقه في تسجيل الحقائق العلمية التي وصل إليها علماء العصر ، لكن بعد جهد جهيد ، وعمل مضن ومستمر كلفهم أموالا طائلة فضلا عن سهر الليالي الطويل ، فيقول :
(١ ـ ذكر القرآن الكريم قانونا خاصا بالماء في سورتين هما الفرقان والرحمن ، وجاء في السورة الأولى قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً) (٢) وأما الآية التي وردت في السورة الأخرى فهي تقول : (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ (١٩) بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ (٢٠)) (٣).
إن الظاهرة الطبيعية التي يذكرها القرآن في هذه الآيات معروفة عند الإنسان منذ أقدم العصور وهي أنه إذا ما التقى نهران في ممر مائي واحد ، فماء أحدهما لا يدخل أي لا يذوب في الآخر ، وهناك على سبيل المثال ، نهران يسيران في «تشاتغام» بباكستان الشرقية إلى مدينة «أركان» في «بورما» ويمكن مشاهدة النهرين ، مستقلا أحدهما عن الآخر ، ويبدو أن خيطا يمر بينهما حدا فاصلا ، والماء عذب في جانب وملح في جانب آخر ، وهذا هو شأن الأنهار القريبة من السواحل ، فماء البحر يدخل ماء النهر عند حدوث المد البحري ولكنهما لا يختلطان ، ويبقى الماء عذبا تحت الماء الأجاج ، وهكذا شاهدت عند ملتقى نهري «الكنج والجامونا» في مدينة «الله آباد» فهما رغم التقائهما لم تختلط مياههما ويبدو أن خيطا فاصلا يميز أحدهما عن الآخر ...
إن هذه الظاهرة كانت معروفة لدى الإنسان القديم ... ولكنا لم نكشف قانونها إلا منذ بضع عشرات من السنين ، فقد أكدت المشاهدات والتجارب أن هناك قانونا ضابطا للأشياء السائلة ، يسمى بقانون المط السطحي (surface tension) وهو يفصل بين
__________________
(١) الإسلام يتحدى ، وحيد الدين خان ، القاهرة ، دار البحوث العلمية ، ترجمة ، ظفر الإسلام خان ، الطبعة الثانية ، ١٣٩٣ ه / ١٩٧٣ ، ص : ١٤١.
(٢) سورة الفرقان ، الآية : ٥٣.
(٣) سورة الرحمن ، الآيتان ١٩ ، ٢٠.