إلى الموروث من قضاياه لدى الماضين ركب شططا وازداد بعدا عن الحقيقة ، وتضاءل أمام نفسه وأمام قارئي بحوثه ومؤلفاته) (١).
وإذا ما أردنا أن نتبين التطبيق العملي لهذا المنهج فلنستعرض بعض الأمثلة التي أوردها في تفسيره وكيف وازن بين آيات القرآن الكريم وبين مستجدات العلم.
ففي تفسيره لقول الله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَأَنْهاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٣)) (٢).
يقول المراغي : (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ) أي جعلها متسعة ممتدة في الطول والعرض لتثبت عليها الأقدام ، ويتقلب عليها الحيوان ، وينفع الناس بخيراتها وزرعها وضرعها ... ولا شك أن الأرض لعظم سطحها هي في رأي العين كذلك ، وهذا لا يمنع كرويتها التي قد قامت عليها الأدلة لدى علماء الفلك ، ولم يبق لديهم فيها ريب ...
ثم يقول : (وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ) أي وجعل فيها من كل أصناف الثمرات زوجين اثنين ذكرا أو أنثى حين تكونها ، فقد أثبت العلم حديثا أن الشجر والزرع لا يولدان الثمر والحب إلا من اثنين ذكر وأنثى ، وعضو التذكير قد يكون مع عضو التأنيث في شجرة واحدة كأغلب الأشجار ، وقد يكون عضو التذكير في شجرة وعضو التأنيث في شجرة أخرى كالنخل ، ما كان العضوان فيه في شجرة واحدة إما أن يكونا معا في زهرة واحدة كالقطن ، وإما أن يكون كل منهما في زهرة كالقرع مثلا) (٣).
وفي بيانه تعالى : (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٣٨)) (٤) يقول : (أي والشمس تجري حول مركز مدارها الثابت الذي تسير حوله بحسب وضعها النجمي ، فقد ثبت أن لها حركة رحوية حول هذا المركز تقدّر بمائتي ميل في الثانية ، وهذا الوضع العجيب من تقدير العزيز القاهر لعباده ... ثم يقول : وعلماء الفلك قديما جعلوا الكواكب مركوزة في الأفلاك على ما نراه في كتبهم ، فليس للكوكب أن يسبح من تلقاء نفسه ، بل لا بد له من حامل يحمله وهو الذي يدور به وكيف يسبح ما لا حرية له ، ولا قدرة له على السير بل هو محمول على غيره؟ هكذا كان الرأي عندهم ، ولكن رأي
__________________
(١) تفسير المراغي ، أحمد مصطفى المراغي ، ١ / ١٨.
(٢) سورة الرعد ، الآية : ٣.
(٣) تفسير المراغي ، أحمد مصطفى المراغي ، ٣١ / ٦٦.
(٤) سورة يس ، الآية : ٣٨.