صادر عن علمه وحكمته ، فما قامت السموات والأرض وما بينهما إلا بالعلم ، ولا بعثت الرسل وأنزلت الكتب إلا بالعلم ، ولا عبد الله وحده وحمد وأثني عليه ومجّد إلا بالعلم ، ولا عرف الحلال من الحرام إلا بالعلم ، ولا عرف فضل الإسلام على غيره إلا بالعلم) (١).
ومن دأب القرآن الكريم أنه يربي المسلم وينبه كل الناس على دوام التفكير ، والتبصر في هذه المكونات التي زجّ الإنسان في داخلها ، فإذا ما حدّق الإنسان البصر وأجال النظر في هذه المخلوقات ورأى الإبداع في خلقها ، والدقة في تناسقها ، والتساوق في ارتباطها ، فإنه بلا أدنى شك سينطق بلسان حاله ومقاله : (رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ) (٢).
ولما انقاد الرعيل الأول سلفنا الصالح لمقتضيات هذه الآيات ، حفزهم إيمانهم بالله للعلم والتعليم والعمل بما يتعلمون ، ولذلك تجد في تاريخ الإسلام المجيد قد برز كبار العلماء في الكونيات والطبيعة من علماء المسلمين والفقهاء ، وقدم هؤلاء للإنسانية العلوم النافعة في الطب والهندسة والفيزياء والكيمياء والرياضيات والفلك ... والعالم في الغرب والشرق يعترف بفضلهم وما قدموه كان سببا في نهضة الغرب وحضارته.
(وقد أثبت التقدم الفكري الحديث أن القرآن الكريم كتاب دعا إلى العلم دعوته إلى الدين ، وأنه دعا صراحة إلى دراسة مختلف العلوم ، وأنه حوى أصول هذه الدراسات في مختلف قطاعات العلم ويبلغ عدد الآيات العلمية في القرآن الكريم ما يقرب على ٧٥٠ آية تشمل مختلف العلوم) (٣).
(دين كهذا يكرم العلم ويحض على التعلم ويدعو إلى معرفة الخالق عن طريق معرفة مخلوقاته كيف وجدت وكيف نشأت ، لهو الصراط السوي حيث لا لبس ولا غموض بل دراسة وتعلم وبحث وتفكير ... ثم يقول : ومنه يتضح أن الدين الإسلامي والعلم توأمان ، وأن الدين لا يقف عقبة في سبيل العلم بل يدعو إليه ويعتمد عليه ، ويشجع على
__________________
(١) فضل العلم والعلماء ، لابن قيم الجوزية ، جمع وترتيب صالح الشامي ، بيروت ، المكتب الإسلامي ، الطبعة الأولى ، ١٤٢٢ ه / ٢٠٠١ ص ٣٥.
(٢) سورة آل عمران ، الآية : ١٩١.
(٣) القرآن الكريم أضواء على الشرق والغرب ، محمد قبيسي ، بيروت ، مؤسسة الرحاب الحديثة ، الطبعة الأولى ، ١٩٩٦ ، ص ١٤٦.