بالأرض لا فضاء بينهما ، أو كانت في القرآن الذي هو معجزة في نفسه فقام مقام المرئي المشاهد ، وأن تلاصق الأرض والسماء وتباينهما كلاهما جائز في العقل) (١).
ولتوخّي الدقة وزيادة الضبط نفتح المعاجم اللغوية للتعرف على معاني بعض الكلمات القرآنية من حيث أصلها اللغوي واشتقاقاتها ، ليصبح وجه الاستدلال بها منسجما مع المقارنة الكونية للآية القرآنية.
يقول ابن منظور : (كانَتا رَتْقاً) (والرتق ضد الفتق ، والرتق إلحام الفتق وإصلاحه) (٢).
وفي «القاموس المحيط» : (الرتق ضد الفتق ، ارتتق التأم السموات متلاصقات وكذلك الأرض لا فرج بينها ففتقها الله وفرّج بينها ... فإن قلت : متى رأوهما رتقا حتى جاء تقريرهم بذلك؟ قلت : فيه وجهان ، أحدهما أنه وارد) (٣).
ولربما يخطر في البال هاهنا سؤال فيقول صاحبه : ما هي المادة التي تكونت الكتلة الكونية الأولى التي تم رتقها وفتقها؟
هذا السؤال قد حيّر علماء الفلك والمتخصصين في الفيزياء الكونية ، فراحوا ينسجون تصورات نظرية حول هذه المادة وطبيعتها إلى أن اتفقوا على أن أصل المادة عبارة عن سدم ، لكننا نجد القرآن الكريم قد أجاب على هذا السؤال بكل وضوح ، وأشار إلى أن المادة الكونية الأولى للكون إنما هي من «الدخان» كما قال تعالى : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ) (٤) فالمادة التي تشكل منها كوننا العظيم إنما هي من الدخان.
ولنا أن نستخلص مما سبق ، ومن خلال التصور القرآني عن المرحلة الأولى لخلق الكون ما يلي :
١ ـ أن السموات والأرض في لحظة الخلق الأولى وبداية النشأة ، كانتا كتلة واحدة متلاصقة ثم انفصلت وتوزعت.
٢ ـ طبيعة هذه المادة التي تشكل الكون منها إنما هي الدخان.
__________________
(١) الكشاف ، محمود بن عمر الزمخشري ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، الطبعة الأولى ، ١٤١٧ ه / ١٩٩٧ ، ٢ / ٥٧٠.
(٢) لسان العرب ، ابن منظور ، ٥ / ١٣٢.
(٣) القاموس المحيط ، الفيروزآبادي ، ٣ / ٢٤٣.
(٤) سورة فصلت ، الآية : ١١.