السماء حدوثها وإتيان الأرض أن تصير مدحوة ، وقد عرفت ما فيه أو لتأت كل منكما الأخرى في حدوث ما أريد توليده منكما) (١).
وفي «روح المعاني» : (الكلام على التقديم والتأخير والأصل (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ) إلخ ، (فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا) إلخ ، وهو أبعد عن القيل والقال ، إلا أنه خلاف الظاهر ، أو كوّنا وأحدثا على وجه معين وفي وقت مقدّر لكل منكما ، فالمراد إتيان ذاتهما وإيجادهما ، فالأمر للتكوين على أن خلق وجعل وبارك وقدر بالمعنى الذي حكيناه عن إرشاد العقل السليم ، ويكون هذا شروعا في بيان كيفية التكوين إثر بيان كيفية التقدير ، ولعل تخصيص البيان بما يتعلق بالأرض وما فيها لما أن بيان اعتنائه تعالى بأمر المخاطبين وترتيب مبادئ معايشهم قبل خلقهم ما يحملهم على الإيمان ، ويزجرهم عن الكفر والطغيان ، وخص الاستواء بالسماء مع أن الخطاب المترتب عليه متوجه إليهما معا اكتفاء بذكر تقدير الأرض وتقدير ما فيها كأنه قيل : فقيل لها وللأرض التي قدر وجودها ووجود ما فيها كونا وأحدثا ، وهذا الوجه هو الذي قدمه صاحب الإرشاد وذكره غيره احتمالا ، وجعل الأمر عبارة عن تعلق إرادته تعالى بوجودهما تعلقا فعليا بطريق التمثيل من غير أن يكون هناك آمر ومأمور) (٢).
وفي «بحر العلوم» : (ثم استأنف فقال : (سَواءً لِلسَّائِلِينَ) ومن قرأ بالنصب يعني قدرها سواء صار نصبا على المصدر ، ومعناه : استوت استواء (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) أي صعد أمره إلى السماء ، وهو قول الله : (كُنْ) ويقال : عمد إلى خلق السماء (وَهِيَ دُخانٌ) يعني بخار الماء كهيئة الدخان ، وذلك أنه لما خلق العرش ، لم يكن تحت العرش شيء سوى الماء كما قال تعالى : (وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ) ثم ألقى الحرارة على الماء حتى ظهر منه البخار ، فارتفع بخاره كهيئة الدخان ، فارتفع البخار ، وألقى الريح الزبد على الماء ، فزيد الماء ، فخلق الأرض من الزبد ، وخلق السماء من الدخان) (٣).
__________________
(١) أنوار التنزيل ، للبيضاوي ، ٥ / ١٠٥ ـ ١٠٦ ، وانظر : جامع البيان ، للطبري ، ٢٤ / ٢٦.
(٢) روح المعاني ، للآلوسي ، ٢٤ / ١١٧ ـ ١١٨ ، وانظر : الدر المنثور ، للسيوطي ، ٧ / ٣١٣.
(٣) بحر العلوم ، نصر بن محمد السمرقندي ، تحقيق ، محمود مطرجي ، بيروت ، دار الفكر العربي ، ١٩٩٧ ، ٣ / ٢١٧ ، وانظر : الجامع لأحكام القرآن ، للقرطبي ١٥ / ٣٤٢ ، وانظر : أضواء البيان ، للشنقيطي ، ٧ / ٤٠٦ ـ ٤٠٧.