المشاهدات التى استند إليها ، بدا واضحا أن ذلك يجسد تماما ما ينبغي أن يكون من شأن كون في حالة تمدد ، وكون كل المجرات تبتعد عنا بمعدل أسرع كلما كانت أكثر بعدا ، أمر ليس له أي دلالة خاصة تتعلق بنا وبمجرتنا ، فما دام الكون في حالة تمدد فهذا يعني أن كل مجراته تتباعد عن بعضها ، وقد التقط الفيزيائي «جورج جاموف» (١) فكرة البيضة الكونية وعممها ثم أطلق على عملية التمدد الأولى اسم (الانفجار العظيم) ، وما زال ذلك الاسم مستخدما حتى الآن ويشير «جاموف» إلى أن الإشعاعات التي صاحبت الانفجار العظيم ، لا بد أن يكون لها الآثار حتى الآن ما يمكن رصده من أي اتجاه على هيئة موجات (ميكروويف) ضعيفة ، لها من المواصفات ما يمكن تقديره حسابيا ، وبهذا الاكتشاف انتهى علماء الفلك إلى الاقتناع بوجود الانفجار العظيم ، ومن المتفق عليه الآن أن الكون قد بدأ بجسم ضئيل انفجر منذ خمسة عشر بليون سنة ، وما زال تحديد عمر الكون على وجه الدقة قيد البحث ، ولكنه يصعب أن يقل عن عشرة بلايين سنة ، ولن يزيد على الأرجح على عشرين بليون سنة) (٢).
وهذا ما أكّده كثير من علماء الكون (يدرس علماء الكون الزمن الغابر باستقراء خارجي للشروط السائدة في الكون حاليا ، بمعنى أنهم يستعملون قوانين الفيزياء لاستنباط الكيفية التي كان الكون عليها حين نشأته وبداية تكوينه ، فلقد تبين أن الكون كان في بدايته حارا وكثيفا ، وكان غازيا وكانت مادته وإشعاعه ممتزجين معا امتزاجا يختلف فيه تماما عما نعرفه عنهما من حيث تميزهما الواضح عن بعضهما ، ويعود سبب الامتزاج إلى أنه في غاز ذي درجة حرارة مرتفعة يحمل الإشعاع طاقة هائلة ، الأمر الذي يوفر إمكان تحوله إلى مادة ، وهكذا فالإشعاع والمادة في بداية نشأة الكون سلكا سلوكا لا يكاد يميّز أحدهما عن الآخر ... وهم يعتقدون أن درجة حرارته كانت عالية جدا مما أدى إلى الانفجار العظيم) (٣).
__________________
(١) جورج جاموف ، ١٩٠٤ ـ ١٩٦٨ ، الأمريكي الروسي الأصل ، مؤسس نظرية الانفجار الكبير لنشوء الكون ، وصاحب المصطلح الذي أصبح الآن من أكثر الفرضيات إثارة للجدل في تاريخ العلم ، وتنبأ بوفرة عنصر الهيليوم ، وبانتشار الأشعة الباردة. انظر : مفكرون من عصرنا ، سامي خشبة ، القاهرة ، المكتبة الأكاديمية ، الطبعة الأولى ، ١٤٢٢ ه / ٢٠٠١ ، ص : ٣١١.
(٢) الشموس المتفجرة ، إسحاق عظيموف ، ترجمة السيد عطا ، القاهرة ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، ١٩٩٤ ، ص : ١٢٣ ـ ١٢٤.
(٣) مقدمة في علم الفلك ، توماس آرني ، ترجمة ، د. أحمد الحصري ، دمشق ، دار طلاس ، الطبعة الأولى ، ١٩٩٨ ، ص : ٧٠٢.