مسمرة ثابتة في كبد السماء ، لا يعتريها زوال ، وتستهجن الحركة والمسير ، وتركن إلى الاستقرار والجمود ...
لكن الله سبحانه وتعالى قرر أنها تجري ، والفعل (تَجْرِي) فيه إعجاز عظيم ، لأنه لا يدل على حركة الشمس الظاهرية التي يبصرها الناس عند ما تشرق الشمس شيئا فشيئا ، ثم ترتفع وتتوسط السماء ، ثم تزول وتأوي إلى مهدها في الغياب ، ثم تتوارى عن أنظار الخلائق ... بل هو يدل ويعبر عن حركة واقعية أثبتتها الأرصاد ، وحركتها العظيمة هذه يعبر عنها الفعل (تَجْرِي) بالسرعة الهائلة التي تقطعها الشمس خلال جريانها ، لأن الجري أسرع من المشي أو السير ، ولذلكم فإن جريان الشمس السريع هذا المقرون بجاذبية الشمس يجر معه الكواكب السيارة التي تدور حولها ، ولقد أشرنا إلى المسافة الكبيرة التي تقطعها الشمس في الثانية ، والتي توضح لنا تألق دقة التعبير القرآني بالفعل (تَجْرِي) الذي حمل الإعجاز الشمسي في أحرفه الرصينة.
وبنظرة دقيقة في كتب التفسير حول هذه الآيات نجد ما يلي :
ففي تفسير الطبري : (وسخر الشمس والقمر لمصالح خلقه ومنافعهم ، كل يجري ، يقول : كل ذلك يجري بأمره إلى وقت معلوم وأجل محدود ، إذا بلغه كورت الشمس والقمر ، وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل) (١).
وعند ابن كثير : (وسخر الشمس والقمر كل يجري إلى أجل مسمى ، قيل : إلى غاية محدودة وقيل إلى يوم القيامة ، وكلا المعنيين صحيح) (٢).
وقال الإمام البيضاوي : (وسخر لكم الشمس والقمر دائبين ، يدأبان في سيرهما وإنارتهما وإصلاح ما يصلحانه من المكونات ، وسخر لكم الليل والنهار يتعاقبان لسباتكم ومعاشكم) (٣).
وفي تفسير «معالم التنزيل» : (وسخر لكم الشمس والقمر دائبين ، يجريان فيما يعود
__________________
(١) جامع البيان ، للطبري ، ٢١ / ٨٣ ، وانظر : الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ، علي بن أحمد الواحدي ، تحقيق ، صفوان داودي ، دمشق دار القلم ، الطبعة الأولى ، ١٤١٥ ه ، ٢ / ٨٥٠.
(٢) تفسير القرآن العظيم ، لابن كثير ، ٣ / ٤٥٣ ، وانظر : التفسير الواضح الميسر ، محمد علي الصابوني ، بيروت ، مؤسسة الريان ، الطبعة الأولى ، ١٤٢٢ ه / ٢٠٠١ ، ص : ١٠٢٢.
(٣) أنوار التنزيل ، للبيضاوي ، ٣ / ٣٥٠.