ويعلق الإمام الرازي على النهاية تعليقا جميلا فيقول رحمهالله : (ما معنى قوله تعالى : (فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ)؟ نقول : المشهور أنها في الحال تكون حمراء ، يقال : فرس ورد إذا أثبت للفرس الحمرة ، وحجرة وردة أي حمراء اللون ، وقد ذكرنا أن لهيب النار يرتفع في السماء فتذوب فتكون كالصفر الذائب حمراء ، ويحتمل وجها آخر وهو أن يقال : وردة للمرة من الورود ، كالركعة والسجدة والجلسة والقعدة ، من الركوع والسجود والجلوس والقعود ، وحينئذ الضمير في (فَكانَتْ وَرْدَةً) واحدة ، أي الحركة التي بها الانشقاق كانت وردة واحدة ، وتزلزل الكل وخرب دفعة والحركة معلومة بالانشقاق لأن المنشق يتحرك ، ويتزلزل ، وقوله تعالى : (كَالدِّهانِ) فيه وجهان أحدهما : جمع دهن ، وثانيهما : أن الدهان هو الأديم الأحمر ، فإن قيل : الأديم الأحمر مناسب للوردة فيكون معناه كانت السماء كالأديم الأحمر ، ولكن ما المناسبة بين الوردة وبين الدهان؟ نقول : الجواب عنه من وجوه الأول : المراد من الدهان ما هو المراد من قوله تعالى : (يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ) (١) ، وهو عكر الزيت وبينهما مناسبة ، فإن الورد يطلق على الأسد فيقال : أسد ورد ، فليس الورد هو الأحمر القاني ، والثاني : أن التشبيه بالدهن ليس في اللون بل في الذوبان ، والثالث : هو أن الدهن المذاب ينصب انصبابة واحدة ويذوب دفعة ، والحديد والرصاص لا يذوب غاية الذوبان ، فتكون حركة الدهن بعد الذوبان أسرع من حركة غيره ، فكأنه قال : حركتها تكون وردة واحدة كالدهان المصبوبة صبا ، لا كالرصاص الذي يذوب منه ألطفه وينتفع به ويبقي الباقي ، وكذلك الحديد والنحاس ، وجمع الدهان لعظمة السماء وكثرة ما يحصل من ذوبانها لاختلاف أجزائها فإن الكواكب تخالف غيرها) (٢).
إذن ، لا حاجة لمزيد من الآيات التي تصف نهاية الشمس والكون ، ولا لأقوال العلماء والمفسرين التي ملأت آلاف المجلدات وهي تتحدث على مشاهد الخراب والدمار الذي سيلف الكون بأسره ، فإن هذه القضية من مسلّمات الإيمان لدى الإنسان المؤمن ، ويتسنّى لنا الآن أن نصغي إلى نتائج أبحاث العلماء حول نهاية الشمس وموتها.
__________________
(١) سورة المعارج ، الآية : ٨.
(٢) التفسير الكبير ، للرازي ، ٢٩ / ٣٦٨.