(والليل في نفسه آية ، وفيه آيات ، وأظهر آياته هو القمر ، فيقال في القمر : آية الليل ، والنهار في نفسه آية ، وفيه آيات ، وأظهر آياته هي الشمس ، فيقال في الشمس : آية النهار ... ثم إن المراد من لفظ الآية في الموضعين واحد :
١ ـ فإما أن يراد بها نفس الليل والنهار ، والإضافة في آية الليل وآية النهار للتبيين كإضافة العدد للمعدود ، أو يراد بها الشمس والقمر فيكون (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ) على تقدير مضاف في الأول تقديره هكذا ، وجعلنا نيري الليل والنهار ذوي آيتين.
٢ ـ وإما على تقديرنا المتقدم فإن لفظ (آيَتَيْنِ) صادق على الليل والنهار ، ولفظ آية الليل وآية النهار صادق على الشمس والقمر ، وعليه يكون تقدير الآية هكذا : وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا قمر الليل ، وجعلنا شمس النهار مبصرة ، وهو تقدير صحيح لا معارض له من جهة اللفظ ولا من جهة المعنى ، وسالم من دعوى تقدير محذوف ، ومفيد لكثرة المعنى بأربع آيات ، بالليل وقمره ، والنهار وشمسه ، فالتقدير به أولى ، ولذلك فسرنا الآية عليه) (١).
وأما الجعل فهو (إيجاد ما به يكون الشيء على صفة لم يكن عليها ، والمضاف محذوف ، تقديره جعل الشمس ذات ضياء ، والقمر ذا نور ، والضياء أبلغ في كشف الظلمات من النور ، وفيه صفة زائدة على النور) (٢).
وفي تفسير «غرائب القرآن» : (والمضاف محذوف ، والتقدير : وجعلنا نيّري الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل التي هي القمر ، حيث لم يخلق له شعاع كشعاع الشمس ، فترى به الأشياء رؤية غير بينة ، وجعلنا الشمس ذات شعاع يبصر في ضوئها كل شيء) (٣).
هذه بعض أقوال المفسرين القدامى رحمهمالله تعالى ، والتي فرقوا كما رأينا بين ضوء الشمس الذي يحوي الحرارة والنور ، وبين نور القمر الذي هو انعكاس عن ضوء
__________________
(١) تفسير ابن باديس ، عبد الحميد بن باديس ، بيروت ، دار الفكر ، الطبعة الثالثة ، ١٣٩٩ ه / ١٩٧٩ ، ص : ٦٠.
(٢) مجمع البيان في تفسير القرآن ، الفضل بن الحسن الطبرسي ، تحقيق هاشم المحلاتي ، طهران ، المكتبة العلمية ، د. ت ، ٣ / ٦١.
(٣) تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان ، نظام الدين الحسن بن محمد القمي النيسابوري ، تحقيق ، زكريا عميرات ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، ١٤١٦ ه / ١٩٩٦ ، ٤ / ٣٢٩.