وفي تفسير «البحر المحيط» : (والأمّة مجمعة على خلاف من زعم أن قوله : (وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) معناه : أنه ينشق يوم القيامة ، ويرده من الآية قوله : (وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (٢)) فلا يناسب هذا الكلام أن يأتي إلا بعد ظهور ما سألوه معينا من انشقاق القمر ، وقيل : سألوا آية في الجملة فأراهم هذه الآية السماوية ، وهي من أعظم الآيات ، وذلك التأثير في العالم العلوي) (١).
ويقول الحافظ ابن كثير : (وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) قد كان هذا في زمان رسول الله صلىاللهعليهوسلم كما ورد ذلك في الأحاديث المتواترة بالأسانيد الصحيحة ... وهذا أمر متفق عليه بين العلماء أن انشقاق القمر قد وقع في زمان النبي صلىاللهعليهوسلم وأنه كان إحدى معجزاته الباهرات) (٢).
وكما ذكر ابن كثير بأن الأحاديث في هذه المعجزة ثابتة وكثيرة ، ومنها ما ورد في صحيح البخاري من حديث ابن عبد الله رضي الله عنه قال : (انشق القمر ونحن مع النبي صلىاللهعليهوسلم ، بمنى فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «اشهدوا» ، وذهبت فرقة نحو الجبل) (٣).
اختلف المفسرون كما رأينا إزاء هذه القضية إلى فريقين ، فريق يرى بأن معجزة انشقاق القمر قد وقعت في عهد النبي صلىاللهعليهوسلم وآمن من آمن يومذاك ، وكفر من كفر.
وفريق يرى الأمر على العكس من هذا تماما ، حيث إن انشقاق القمر لم يقع بعد ، وسوف ينشق القمر قبل قيام الساعة ، وكما نقل القرطبي في تفسيره عن الماوردي أن هذا قول الجمهور ، لأنه إذا انشق ما بقي أحد إلا رآه ، لأنه آية والناس في الآيات سواء.
ولحسن الحظ ، ولكي تتأكد هذه المعجزة القرآنية ، فإن علماء الفلك هم كذلك قد ذهبوا من المسألة مذهبين ، واختلفوا إلى رأيين ، فمنهم من يرى أن القمر قد انشق يوما من الأيام ، وهذا الرأي هو رأي العلماء الأمريكان الذين هبطوا على سطح القمر ، ومنهم من يرى أن القمر سينشق في المستقبل ، وهذا رأي معظم الفلكيين.
__________________
(١) البحر المحيط ، محمد بن علي ابن حيان الأندلسي ، القاهرة ، دار الفكر العربي ، الطبعة الثانية ، ١٩٨٣ ، ٧ / ٢١٥.
(٢) تفسير القرآن العظيم ، لابن كثير ، ٤ / ٤٢٧.
(٣) رواه البخاري ، في فضائل الصحابة ، باب انشقاق القمر ، رقم (٣٦٥٦) ، ٣ / ١٤٠٤ ، وأحمد في مسنده ، رقم (٤٣٥٧) ، ١ / ٤٥٦.